خلع عنها بتدخل من الملك فرديناند وبتأثير القوة الحربية لبيير نافار وتأثير اقدامه (٣)
مدينة بجاية الكبرى
بجاية (٤) مدينة قديمة ، بناها الرومان ، كما يظن بعضهم ، فوق سفح جبل شديد الأرتفاع ، على ساحل البحر المتوسط ، وتحيط بهذه المدينة أسوار عالية وقوية ، وتضم ثمانية آلاف أسرة ، وأقصد بذلك القسم المسكون ، لأنها لو امتلأت بالمساكن لاحتوت أكثر من أربع وعشرين ألف أسرة ، وتمتد من حيث العرض على خاصرة الجبل امتدادا كبيرا خارقا للعادة. وسائر بيوتها جميلة ، وهي مجهزة بالجوامع بشكل طيب ، وبالمدارس التي يكثر فيها الطلاب وكذلك اساتذة الشريعة والعلوم. كما تحوى أيضا زوايا للمتعبدين المسلمين ، وحمامات وفنادق ومارستانات وكلها عمارات حسنة البنيان وأسواقها جميلة حسنة التنسيق. وتقوم المدينة كلها على تلال صغيرة ، حتى أنه ليتعذر السير بضع خطوات بدون صعود أو نزول.
وإلى جانب الجبل توجد قلعة كبيرة ذات جدران متينة. وتزدان بالكثير من الفسيفساء ، وبالجص المجزع ، وبالأخشاب المحفرة بالنقوش التي تعلوها رسومات عجيبة بلون أزرق سماوي ، حتى لتساوي هذه الأشغال الفنية من حيث القيمة أكثر من البنيان ذاته.
وكان أهل بجاية على قدر كبير من الغنى ، فكانوا يسلحون مراكب وسفنا حربية ويرسلونها لغزو سواحل أسبانيا. وهذا هو ما أدى الى سقوطها وحفز الكونت بيير نافار وعلى غزوها واحتلالها. ويعيش الناس في فاقة لأن أراضيها الزراعية هزيلة للغاية لا تنتج الحبوب ، ولكنهم مغمورون بالثمار ، اذ يوجد حول المدينة عدد لا يحصى من البساتين المليئة بالاشجار المثمرة ، وتكثر هذه الحدائق من جهة الباب الذي يشرف على الشرق.
والمنطقة مليئة بجبال وعرة مغطاة بغابات تعج بالقردة والفهود.
__________________
(٣) اسندت مهمة حكم بجاية بالتعاقب لأمراء حفصيين مختلفين ، ولكنها كانت تتمتع باستقلال كان يتزايد على توالي الأيام ، حتى إن الكونت بيير دونافار وعندما قام بإنزال قواته في ٥ كانون الثاني (يناير) ١٥١٠ م ، وجفل السكان ، حاول ان يتضامن مع «الملك» الشرعي عبد الله ، الذي سبق ان خلع قبل وقت قليل على يدعمه «الملك» عبد الرحمن.
(٤) بالبربرية بجيت ، وهو اسم قبيلة ، وفى العربية بجاية ، وفي العصور القديمة سلداءة.