ولكن موقعها الفسيح لا زال موجودا ، وهذا ما أدركته عند ذهابي من فاس الى تونس.
نكاوس
نكاوس (١٦) مدينة تتاخم نوميديا. وقد بناها الرومان على مسافة مائة ميل من البحر المتوسط وثلاثين ميلا تقريبا من مسيلة (١٧). وهي محاطة بأسوار قديمة قوية. ويمر بجوارها نهر ، تقع مزارع التين والجوز على ضفافه. ويشتهر تين المنطقة بأنه أفضل انواع التين في مملكة تونس ، وينقل الى قسنطينة الواقعة على مسافة اربعين ميلا عنها (١٨). وتوجد حول نكاوس سهول جيدة صالحة لزراعة القمح. وسكانها اغنياء ، شرفاء كرماء. ويلبسون ثيابا لائقة ، مثل سكان بجاية. وتحتوي البلدة على بيت معد لسكنى الغرباء. وفيها أيضا مدرسة للطلاب الذين جرت العادة أن يعفوا من نفقات الكساء والغذاء. كما أن فيها جامعا جميلا فسيحا جدا ومجهزا بكل ما تمس الحاجة اليه. والنساء هنا جميلات ، لون بشرتهن أبيض ، وشعورهن فاحمة ولامعة ، لأنهن يكثرن من التردد على الحمامات ويعتنين بأنفسهن كثيرا. وليس لبيوتها على العموم سوى طابق واحد أرضي. ومع ذلك فهي أنيقة جدا ، وبهيجة المنظر لأن لكل بيت منها حديقته المليئة بالزهور المتنوعة ، لا سيما من ورود دمشق ، والريحان والبنفسج ، والحبق ، والقرنفل وأزهار أخرى لا تقل عنها بهاء. ولجميع المنازل تقريبا عيون ماء تسقى منها. وعلى الجانب الآخر من الحديقة تظهر «تكعيبة» بديعة تعطي في الصيف ظلا ظليلا ومنعشا حول الجزء المكشوف من المسكن. ولهذا فإن الذي يقصد نكاوس يود لو يبقى فيها حينا طويلا من الدهر ويأسف لاضطراره إلى مغادرتها ، وذلك لما لقيه من اهلها المضيافين المحبين من حفاوة وترحاب (١٩).
__________________
(١٦) اونيسبوس الرومانية ، وهي أكثر شهرة بشكل غير مباشر باسم نيسيفيبوس ، ونيكاوس بالعربية ، او نكاوس.
(١٧) او ٦٠ كم و ٤٨ كم.
(١٨) ٦٤ كم.
(١٩) لا تنطبق هذه اللوحة الفاتنة على نكاوس في الوقت الحاضر : فالمدينة القديمة المسورة الواقعة قرب النهر ليست اكثر من ميدان حجارة لاشكل لها ، والبلدة الحديثة ، الواقعة على السفح الذي يشرف عليها ، ليس فيها شيء فريد ، ولكن الموقع يكون نسبيا جميلا ، كما أن وفرة المياه قد تبرر جزئيا هذا الوصف الذي يبدو انه كتب بناء على معلومات محابية.