ساخن يتدفق بين جلاميد كبيرة (٣٩). وتوجد كمية كبيرة من السلاحف التي يعتبرها النسوة ارواحا شريرة. وعند ما تصاب ، على سبيل الصدفة ، احدى تلك النساء بالحمى أو بأي مرض آخر ، فإنها تعتبرها خطيئة السلاحف ، وتعالج مرضها بأن تذبح حالا دجاجة بيضاء ، تضعها في وعاء مع كل ريشها ، ثم تحملها الى العين وتتركها بعد ان تربط حول الوعاء بضع شمعات مصنوعة من شمع العسل. ويقوم بعض الفطنين بمتابعة المرأة عند ما يرونها تتجه نحو العين مع الوعاء والدجاجة ، كي يأخذوها بمجرد أن تقفل راجعة ، ثم يطبخوا الدجاجة ويأكلوها.
وعلى مسافة أبعد من نبع الماء الحار يوجد نبع ماء بارد يقوم بجانبه بناء من الرخام ، وقد رأيت كثيرا من أشباهه في ايطاليا وفي كل بلاد أوروبا. ويعتقد العامة انه كانت هنا مدرسة لدراسة الآداب كان استاذها وتلاميذها فاسقين فمسخهم الله تعالى الى رخام ، عقابا على آثامهم. وتحولت كذلك أبنية مدرستهم الى قطعة رخام. ويجتمع اهل قسنطينة مرتين في العام في قافلة تذهب الى نوميديا. وينقلوا اليها اقمشة الصوف المصنوعة في بلادهم ونوعا من دنس يسمى الحشيش (٤٠). ونظرا لكثرة تعرضهم لهجمات العرب ، فهم يصطحبون معهم بعض رماة البنادق من الاتراك الذين ينالون اجرا طيبا على ذلك. هذا ولا يدفع تجار قسنطينة رسم دخول الى تونس ، ولكنهم يدفعون عند الخروج من قسنطينة مقدار اثنين ونصف بالمئة من قيمة بضائعهم. ولكن اضرار رحلتهم الى تونس تزيد على منافعها ، اذ تسيطر عليهم في اثنائها متعة الفسق والفجور فينفقون معظم ما ربحوه على النساء الساقطات.
مدينة ميله
ميله مدينة قديمة بناها الرومان على مسافة اثنين وثلاثين ميلا من قسنطينة (٤١) وهي محاطة بأسوار قديمة وتحوي قرابة ثلاثة آلاف أسرة. ولكنها أقفرت اليوم ، ولم يبق فيها كثير من البيوت المسكونة ، وذلك بسبب ظلم الأمراء. وفيها عدد كبير من الصناع ، ولا
__________________
(٣٩) حاليا حمام سيدي مسيد.
(٤٠) الحشيش هو تركيب اساسه القنب الهندي. «ويزرع حاليا على نطاق واسع في منطقة الريف في شمال المغرب حيث يسمى المشموم ، ويعتبر إدمان تدخينه محنة وطنية لشدة فتكه بالمواطنين» (المترجم).
(٤١) اكثر من ٥٠ كم.