مدينة تبسّه
تبسه مدينة قديمة وحصينة بناها الرومان (٥١) على تخوم نوميديا (٥٢) على مسافة مائتي ميل جنوب البحر المتوسط (٥٣). وهي محاطة بأسوار عالية ، قوية وسميكة ، مشيدة بحجارة منحوتة تشابه جدران الكوليزه في روما. ولم أر أسوارا من هذا الصنف لا في أفريقيا ولا في أوربا (٥٤). ويمر من قرب المدينة نهر كبير جدا (٥٥) يدخل في جزء من المدينة. ويوجد في الساحة العامة ، وفي أماكن أخرى ، أعمدة من رخام وعليها كتابات لاتينية بحروف كبيرة وعمارة تقوم على أعمدة رخامية مربعة تعلوها قبة (٥٦).
وأريافها منتجة ، مع أن تربتها ضعيفة. وعندما يصل الإنسان لمسافة أربعة أو خمسة أميال من تبسه يخالها واقعة في غابة ، ولكن الأشجار ليست سوى أشجار جوز كبيرة (٥٧).
وبجوار المدينة يوجد جبل يحتوي على تجاويف عديدة محفورة بالمعول. ويعتقد العوام أنها كانت تستخدم مساكن للجبابرة ، ولكن من الواضح أنها مقالع حجارة استعان بها الرومان لبناء أسوار تبسه.
وسكان المدينة بخلاء غلاظ قساة ، ولا يحبون رؤية أي غريب ، حتى أن الدباغ وهو شاعر ذائع الصيت وأصله من مالقة التابعة لغرناطة ، تلقى إهانة عند مروره بهذه المدينة ، وكتب الأبيات التالية التي أوثر ذكرها لما تدل عليه من حقارة هذه المدينة وانحطاط أهلها :
فيما عدا أشجار الجوز لا شيء في تبسّه
مما يمكن اعتباره ذا قيمة وجديرا بالاهتمام
__________________
(٥١) تيفسته عن الرومان.
(٥٢) «المقصود دوما بنو ميديا المناطق الواقعة جنوب جبال الأطلس مباشرة» (المترجم).
(٥٣) الحقيقة لا يوجد سوى ١٥٠ ميلا تقريبا أو ٢٤٠ كم بين عنابة وتبسّه.
(٥٤) إن ما بقي من أسوارها يدل على وجود مبالغة أكيدة في قول المؤلف.
(٥٥) وهو اليوم جاف في معظم أيام السنة.
(٥٦) وربما كان هذا الكنيسة الكبرى.
(٥٧) لقد اختفت أشجار الجوز من المناطق المجاورة لمدينة تبسه في الوقت الحاضر.