وفي أيامنا فكر الكونت بييرنافارو في احتلال المهدية بتسع سفن. ولكن المدينة دافعت عن نفسها بشكل طيب بواسطة مدفعيتها فاضطر هذا للانسحاب بعد خسائر شديدة. وحدث هذا عام ١٥١٩ ميلادية (١٤٠).
صفاقس
صفاقس مدينة قديمة عمّرها الأفارقة على ساحل البحر المتوسط في الزمن الذي كانوا فيه بحالة حرب مع الرومان. وهي مدينة كبيرة لها أيضا أسوارها العالية المنيعة. وكانت في الماضي كثيرة السكان ، ولكنها لا تحوي اليوم أكثر من ثلاثمائة إلى أربعمائة أسرة (١٤١). وعدد الدكاكين فيها قليل لأنها تتعرض لابتزاز العرب وملك تونس. وغالبية سكانها من الحاكة والبحارة والصيادين. ويصطادون كمية كبيرة من السمك الذي يدعى سبارس ، وهو اسم ليس عربيا ولا بربريا ولا لاتينيا. ويتغذون كسائر الناس الذين تكلمنا عنهم ، أي بخبز الشعير والبازين. وهم رديئو الهندام ، ويذهب بعضهم لمزاولة التجارة في مصر وفي تركيا.
القيروان التي كانت مدينة كبيرة
القيروان أو القروان مدينة شريفة ، أسسها عقبة ، قائد جيوش بلاد العرب الصحراوية (١٤٢) التي أرسلها عثمان ، ثالث خليفة. وبناها على مسافة ستة وثلاثين ميلا عن البحر المتوسط ، وحوالي مائة ميل عن تونس لهدف وحيد ، وهو وضع جيشه والغنائم التى غنمها من مدن بلاد البربر ونوميديا في أمان. وقد أحاط القيروان بسور جميل كله من القرميد. وشيّد فيها جامعا كبيرا رائعا مع أعمدة مرمرية بهيجة ، منها اثنان قرب المحراب ، لهما ارتفاع لا يتصوره عقل ، لهما لون أحمر مرقّش بنقاط بيضاء ، مثل الرخام السماقي. وبعد موت عثمان ، أقرّه معاوية في قيادته حتى عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ، الذي كان يحكم حينذاك في دمشق (١٤٣). وعندئذ أرسل الوليد
__________________
(١٤٠) لا نعلم شيئا عن هذه المحاولة الفاشلة.
(١٤١) «أي ما بين ١٥٠٠ و ٢٠٠٠ نسمة. وسكانها الآن يقاربون مائة ضعف هذا الرقم» (المترجم).
(١٤٢) «بالمقابلة مع بلاد العرب السعيدة ، أي اليمن» (المترجم).
(١٤٣) يتطلب هذا العرض التاريخي إعادة نظر. في الواقع يهتم المؤرخون أن يذكروا لنا ان اول فاتح عربي كان عبد الله ـ