إلى القيروان أحد قواده وهو موسى بن نصير (١٤٤) على رأس جيش كبير. وعند وصول موسى إلى القيروان أقام فيها بعض الوقت إلى أن استراح جيشه تماما ، ثم اندفع نحو الغرب ، فاحتل مدنا عديدة ووصل أخيرا إلى ساحل المحيط. وهناك خاض في البحر مع جواده إلى ان بلغ الماء ركائبه (١٤٥). ورأى أن انتصاره كان كافيا في هذه المرة وقفل عائدا إلى القيروان. وأرسل أحد قواده إلى موريتانيا. وكان هذا يدعى طارق وهو الذي عقد معاهدة مع الكونت جوليان أمير سبتة (١٤٦) وأمره موسى أن يعبر إلى بلاد بتيكا (١٤٧) ، وهذا ما فعله في شهر نيسان (ابريل) ٧١١ م ، واستطاع طارق أن يحتل العديد من المدن والأقاليم برمتها ، كما نقرأ ذلك في كتاب ابن حيان (١٤٨) وفي كتاب الآخرين من مؤرخي الاندلس. وقد انتابت موسى الغيرة وأمر طارق بالتوقف
__________________
ـ ـ بن سعد الذي كسر في سنة ٦٤٨ م الوالي البيزنطي غريغوار وقتله وأنه لم يؤسس القيروان قاعدة للعمليات الحربية ، كما أن معاوية بن حديج أقام معسكره ، لدى وصوله عام ٦٦٥ م على سفح جبل وسلات ، في موقع يسمى القرن ، وأن خلفه عقبة أقام معسكره حيث قامت القيروان. وقد أرسل عقبة إلى افريقية سنة ٦٧٠ م بعد مقتل الخليفة عثمان بعد ١٧ حزيران (يونية) ٦٥٦ م. وقد عزله حاكم مصر عن قيادته سنة ٦٧٥ م وحل مكانه أبو المهاجر دينار الذي أقام «قيروانة» على مسافة ٥ ، ٣ كم من المعسكر الأول ، على طريق تونس. ولكن الخليفة يزيد رد القيادة سنة ٦٨١ م الى عقبة الذي استشهد عام ٦٨٣ م. ولكن بعد مقتل عقبة جلا العرب عن أفريقيا واصبحت القيروان مدينة بربرية خالصة الى أن قرر الخليفة عبد الملك ، وهو من قدامى المحاربين في أفريقيا ، أن يستأنف فتح هذا الإقليم وأرسل الحسن بن النعمان الغساني خلال العام ٦٩٣ م. ولكن هذا لم يستطيع الاستقرار نهائيا في القيروان إلا حوالي العام ٦٩٨ م. ولنتذكر أن كل هذه التواريخ غير موثوق بها كل الثقة. وربما لم تتحول القيروان التي أقامها عقبة إلى مدينة إلا في عصر حسان بن النعمان.
ويتفق المؤرخون على القول بأن المكان الذي اختاره عقبة كان بقصد السلامة ولتحاشي المنطقة الساحلية الشديدة الخطورة. ومن المحتمل أيضا أن القائد العربي كان موجها بأسباب تكتيكية فجعل قاعدته في نهاية سهل صحراوي يجاذي كتلة جبلية كانت في أيدي البيزنطيين. وكان من اللازم أن يكون تحت إمرته جيش بدوي كي يعيش في هذه البقعة الفقيرة بالمياه.
(١٤٤) توفي الخليفة عبد الملك في ٨ تشرين الأول (اكتوبر) ٧٠٥ م وخلفه إبنه الوليد. ولم يتمكن موسى بن نصير أن يصل إلى القيروان إلا في عام ٧٠٦ م.
(١٤٥) وتنسب هذه الرواية عموما إلى عقبة بن نافع بعد وصوله إلى السوس سنة ٦٨٣ م ولا نكاد نعرف شيئا عن هذا الفتح السريع نسبيا.
(١٤٦) من المجتمل أن طارق بن زياد كان مولّدا ، أي لأب عربي وأم أجنبية ، وعلى الأرجح افريقية ، مما ساعده على الكلام باللاتينية (لعله يقصد العربية) وبالبربرية وأن يتولى قيادة مصمودة في منطقة طنجة ، وقد انجز إخضاع البلاد حوالي العام ٧٠٩ م. وهناك رواية يسردها ابن القوطية مفادها أن جوليان الذي دخل معه طارق في مفاوضات لم يكن كونت سبتة ، بل ثريا أسبانيا يعمل في التصدير ، وكان يزاول التجارة في طنجة.
(١٤٧) «شبه جزيرة ايبريا ، أو أسبانيا ، وعلى وجه الدقة بلاد الأندلس» (المترجم).
(١٤٨) ابن حيّان ، مؤرخ أسبانيا والأسرة الأموية التي قامت في هذه البلاد ، ويعتبره ابن خلدون كنموذج للمؤرخين.