والحقيقة أنه لم يحمل أحد من قبيلتي غماره وهو راه لقب ملك ، ولكن كان منهما أمراء في بعض المناطق ، كما نقرأ ذلك في تاريخ الأفارقة. ويقع العصر الذي مارستا فيه هذه السلطة بعد دخول الدين الأسلامي إلى إفريقيا. فقد كان لكل قبيلة منهما حينئذ موطنها المحدد في البوادي محميه برجال عصبتها. ثم تقاسمت فيما بينها الأعمال الضرورية للحياة ، فانصرف سادة البوادي لتربية الماشية في حين عكف سكان المدن على المهن اليدوية وزراعة الأراضي (٦٥).
وانشعبت هذه القبائل الخمس الى عدد كبير جدا من الفروع في مجملها ، كما عرض ذلك أحد كتابهم. وهو ابن رقيق (٦٦) الذي قرأت كتابه عدة مرات ، غير أن كثيرا من المؤرخين يذهبون الى أن ملك تومبوكتو الحالي ، وملك مالى وملك آغادس ترجع أصولهم الى قبيلة زناتة ، إي من أولئك الذين يسكنون الصحراء (٦٧).
الاختلافات والمطابقات في اللغة الأفريقية
تستعمل هذه القبائل الخمس ـ التي تبدو منقسمة الى مئات الانساب والى آلاف المساكن ـ لغة واحدة يسمونها عادة آوال آمازيغ ، اى اللغة النبيلة. ويطلق عليها العرب اللغة البربرية. تلك هي اللغة الافريقية الوطنية : وهي لغة فريدة تختلف عن اللغات الاخرى. الا اننا نجد فيها بعض كلمات من اللغة العربية. وهذا هو الدليل الذي يعتمد عليه من يذهبون الى ان الافارقة ترجع أصولهم الى السبئيين ، وهم قوم من سكان بلاد العرب السعيدة ، اى اليمن ، كما ذكرنا ذلك فيما سبق. ولكن أنصار الرأي المقابل يؤكدون ان الكلمات العربية التي نعثر عليها في هذه اللغة انما تسربت اليها بعد ان دخل
__________________
(٦٥) هذا المفهوم الاجتماعي ، المستغرب جدا بالنسبة لنا نحن الأوروبيين ، هو مفهوم الباحثين العرب. وقد عرضه ابن خلدون بإسهاب وقوة. فالرعاة يهتمون بقطعانهم فحسب. ولهم تفوق اجتماعي بارز جدا ، بينما كان سكان المدن وكذلك القرى ، وإجمالا الحضر ، من حرفيين وفلاحين ، خاضعين عمليا للضرائب وللسخرة ، مثلما كانوا في وضع اجتماعي أدنى بشكل واضح.
(٦٦) وهو ابو اسحاق ابراهيم بن قاسم ، او القاتل الرقيق القيرواني والذي الف كتابا لا يزال مفقودا. وهذا هو ما يظهر مما كتبه ابن رشيق Rahick.
(٦٧) لقد كان ملك تومبوكتو ، أو ملك غاءو بشكل أدق ، في ذلك الوقت زنجيا من قبيلة سونينكه ولا يمت بأى نسب الى البربر. وكذلك كان حينئذ ملك مالى ، فقد كان هو الآخر زنجيا ، ولكن تذكر الروايات أن أبا بكر بن عمر الذي فتح السودان ، وهو بربري ، قد زوج إحدى بناته من ملك هذه الأسرة القديمة ، وذلك من خلال حملته في تلك البلاذ بين عام ١٠٦٣ و ١٠٨٧ م ، وكان الشرف والنبل عند قبائل الصحراء الملثمين ينتقل الى الفروع عن طريق الأم.