والمسك. ويحملون كل ذلك الى تركيا وهكذا يجنون ربحا من رحلة الذهاب ومن رحلة الإياب.
* * *
لقد فرغنا من مملكة تونس وسنتابع الحديث عن صحراء برقه
صحراء برقة
تبدأ هذه الصحراء بكورة مصراتة وتمتد نحو الشرق حتى تخوم الاسكندرية على مسافة تقارب ألف وثلاثمائة ميلا (نحو ٢٠٨٠ كم) ويقارب عرضها مائتي ميل (٢٢٥). وبرقة إقليم صحراوي وقاحل ، ولا يوجد فيها ماء ولا أراض زراعية. وحتى قبل مجيء العرب إلى افريقيا ، كانت هذه الصحراء خالية من السكان (٢٢٦). ولكن حينما جاءها العرب ، استقر أقواهم في المناطق الخصبة ، والذين كانوا أقل منهم بأسا ظلوا في الصحراء ، حفاة عراة يتضورون من الجوع. وهذه الصحراء نائية عن كل منطقة مسكونة ولا ينبت فيها شيء ، حتى إن العرب إذا ما أرادوا الحصول على القمح أو أي شيء ضروري ، لا يحصلون عليه إلا إذا وضعوا أبناءهم رهينة. ويأتيهم القمح وتأتيهم هذه الأشياء عن طريق البحر بواسطة الصقليين الذين يعودون بالرهائن. وما أن يذهب هؤلاء ، حتى ينطلق العرب من جهتهم إلى السلب حتى نوميديا ، وهم أكبر اللصوص وأسوأ الغدّارين في العالم قاطبة. فهم يسلبون الحجاج المساكين والمسافرين. ولما كانوا يظنون أن ضحاياهم ربما يكونون قد ابتلعوا ما يملكونه من نقود وأخفوه في بطونهم عندما اقتربوا من هذه الصحراء ، لذلك يسقونهم الحليب الساخن ، ويهزونهم بعنف ، ويتقاذفونهم في الهواء ، إلى أن يضطر هؤلاء المساكين إلى التقيّؤ ، حتى لتكاد أمعاؤهم تخرج من أفواههم. ويبحث هؤلاء العرب في هذا القيء عما يحتويه من بعض الدنانير ، لأن هؤلاء البهائم الأجلاف يتوهمون أن المسافرين ربما يكونون قد ابتلعوا نقودهم عندما اقتربوا من هذه الصحراء ، كيلا تظهر عليهم فى متاعهم.
__________________
(٢٢٥) ٣٢٠ كم. ربما كان المؤلف يضم تحت هذا الاسم كل المنطقة الساحلية المحدودة جنوبا ببرقة عن طريق القوافل بين بلاد طرابلس ومصر وبواحات أوجلة والجغبوب وسيوه والبحرية.
(٢٢٦) تقول الشواهد التاريخية على خلاف ذلك فمن هذه الشواهد يظهر أن المناطق الصالحة للزراعة فى برقة كانت تتمتع بازدهار نسبي حتى الزحف الهلالي في أواسط القرن الحادي عشر الميلادى.