ضخمة يقيم فيها تجار غرباء عن البلاد وتجار محليون. ولهذه البلاد حوانيتها ، وجوامعها المجهزة بكل الضروريات.
وتسمى أهم بلدة من هذه البلدان صبيح (١٧). ولها جدار سور. وتقسم إلى قسمين ويحكمها زعيمان مختلفان ، يحتربان في أغلب الأوقات ، وفي حالة شقاق دائما ، وهذا على الخصوص في موسم سقي المزروعات بسبب شح المياه الجارية. وأهل هذه البلاد رجال بواسل وكرماء. ويقبلون استضافة تاجر عندهم ، وعلى حسابهم ، لمدة عام كامل وحتى أكثر ، ولا يأخذون منه إلا ما يتركه لهم ، حسب طيب خاطره.
ويوجد بين سكان الدرعة بضعة زعماء يشتبكون بالأسلحة باستمرار. ويستعين كل حزب منهم بالعرب المجاورين الذين يؤجرون على ذلك بسخاء بمعدل نصف دينار يوميا لكل خيال يتطوع ليحارب على حسابه. ولكن يؤجر هؤلاء العرب يوميا فيوما وعن بضعة أيام فقط استخدموا فيها سلاحهم. وقد بدا أهل هذه البلاد منذ وقت وجيز باستخدام راشقات السهام والطبنجات ، ولم أر رماة أفضل من هؤلاء ، فهم يصيبون رأس الإبرة. وهكذا أخذوا يبيدون بعضهم البعض بهذه الراشقات.
وتنمو في هذه المنطقة كمية كبيرة من أشجار النيلة (١٨) ، وهو نبت للصباغة يشبه نبات الباستل (١٩) ، ويقايضونه بالبضائع المجلوبة من فاس وتلمسان. والحنطة غالية جدا ، ويحصل عليها بالتبادل مع التمور ، ويستورد القمح من فاس ، ومن مدن مجاورة أخرى. والخيل قليلة ، وكذلك الماعز. وتعلف الخيول بالتمر عوضا عن الشعير مع نوع من علف يدعى فارفا في مملكة نابولي. وتغذى الماعز بنوى التمر بعد جرشها. وبفضل هذا الغذاء تسمن العنزات وتعطي الكثير من الحليب ، ويأكل الناس عادة الكثير من لحم التيس الهرم والجمل المتقدم في السن ، وهي في الواقع وجبة تافهة. كما تربى طيور النعام ، من ناحية لأخرى ، لأكلها. ويماثل طعم هذا الحيوان تقريبا لحم الدجاج ، ولكنه قاس وله رائحة منفرة ولا سيما لحم الفخذ الذي يكون لزجا.
__________________
(١٧) يقع قصر بني صبيح في ناحية لكتاوة ، وهي على مسافة ٢٠ كم شمال كوع الدرعة ، وقد أقيم مخفر تاغوديت فى جواره.
(١٨) واسمها العلمي indigofera argentea ، أو النيلة الفضية.
(١٩) نبات صباغي من الصليبيات ، يعطي أزهارا بلون أزرق ، واسمه العلمي isatis tinticorea