بلاد السّودان
لم يكتب الجغرافيون القدامى ، مثل البكري والمسعودي ، شيئا عن أرض السودان فيما عدا الواحات وعن غانا (١). ففي عصرهم ، لم يكن يعرف شيء سواهما عن بلاد الزنوج الأخرى. ولكنها اكتشفت بعد عام ثلاثمائة وثمانين هجرية (٢). إذ في ذلك الوقت اعتنقت لمتونة وكل سكان ليبيا الإسلام بفضل دعوة إمام قام ، بالإضافة إلى ذلك ، بدفع لمتونة لفتح كل بلاد البربر (٣) وعندئذ بدأ الناس يقصدون هذه البلاد ، وأخذوا في التعرف عليها.
وهذه الأقطار ، جميعها ، مسكونة بأناس يعيشون كالبهائم بدون ملوك ، ولا أمراء ، وبدون جمهوريات ولا حكومات ولا تقاليد (٤). ولا يعرفون غير الطرق البدائية
__________________
(١) وهذا ليس صحيحا تماما ، فقد قدم المسعودى فى أواسط القرن العاشر الميلادى ، والبكرى الذى كتب سنة ١٠٨٨ م ، قدّما بالفعل معلومات عن واحات مصر وعن غانا. ونلاحظ أن المؤلف قد وضع الواحات فى السابق فى نوميديا ثم فى ليبيا. ألا تذكرنا هذه الواحات هنا بأوداغست.؟
(٢) أى ٩٩٠ م.
(٣) لقد بدأت الدعوة للإسلام ، فى السودان الشمالى ، على يد تجار مسلمين كانوا يتاجرون مع الزنوج ، بدأت قبل القرن العاشر الميلادى بكثر. ولكن الفقيه عبد الله بن ياسبن ، من قبيلة جزولة ، جاء ليعظ القبيلة المذكورة بناء على طلب زعيم زناقة إيغدالن ، وبالعربية قدالة ، والتى كانت تحتل الأراضى الواقعة على الضفة الشمالية لنهر السنغال الأدنى.
وأسس فى إحدى الجزر رباطا كان عبارة عن مركز لمجاهدين حفظ التاريخ لنا ذكرهم باسم المرابطين ، ودعا إلى الجهاد ودفع بقبائل زناقة الصحراوية ، والتى كانت أهم قبيلة فيها هى لمتونة ، من مرتفعات إدرار فى موريتانيا الحالية لفتح بلاد الشمال واستشهد فى معركة على ضفاف وادى كرفله ، فى تامسنة ، وهى بلاد الشاوية الحالية فى المغرب الأقصى جنوب شرق الرباط ، فى يوم الأحد ١٩ تموز ١٠٥٨ م. ويبدو أن حملات المرابطين ضد الممالك السودانية بدأت فى زمنه. وكان أمير لمتونة ، وهو الزعيم الحربى للمرابطين ، أبو بكر بن عمر ، هو الذى تابع بنشاط كبير تلك المهمة بين ١٠٦٢ و ١٠٨٧ م. ويظهر أنه بلغ مملكة مالى ، على نهر النيجر الأعلى. وقد قتل برمية سهم فى شعبان ٤٨٠ ه / تشرين الثانى (نوفمبر) ١٠٨٧ م ، بينما كان يجتاز ممر تاغنت. الواقع على مسافة ٥٥ كم جنوب بلدة تيجيكجة الحالية فى جمهورية موريتانيا الإسلامية ، فى أثناء عودته من إحدى حملاته ، وربما كان هذا التاريخ وهو ٤٨٠ ه ، والذى لم يستطع المؤلف حفظه على الضبط. كان بالأصل ٣٨٠ ه ، والذى قدمه لنا فى النص أعلاه.
(٤) وقد قال لنا المؤلف نفس الشىء عن عيوب الزنوج فى كتابه الأول ، وتدل بقية هذا الوصف بأن الوضع ليس كهذه ـ