تمتد على ثمانين يوما تشبه مصر وقراها جزرا لا يمكن الانتقال فيها من بلدة لأخرى إلا على المركب. ومن السهل جدا صنع جرمات ضخمة (٣٠) ، حتى إن بعضها يحمل ستة آلاف إلى سبعة آلاف كيل من الحب ، هذا فضلا عن بضع مئات من الأغنام. ولا تستطيع الإيجار صعدا ضد التيار إلا إذا كانت فارغة وبصعوبة. ويتوقع المصريون بالضبط استنادا إلى ما تكون عليه حالة فيضان النيل ، ما يمكن أن تكون عليه أسعار الحنطة في كل عام ، وذلك كما سأشرح لكم ذلك عندما أتكلم عن جزيرة النيل الواقعة في مواجهة القاهرة العتيقة ، وذلك بمناسبة الكلام عن مقياس النيل.
وليس في نيتي أن أتكلم عن كل مدن مصر. وكتّابنا غير متفقين بالفعل فيما بينهم بخصوصها. فبعضهم لا يريدون سوى ربط جزء من مدن مصر بإفريقيا ، في حين يكون رأي الآخرين على العكس ، وهناك بضعة أفراد منهم يؤكدون أن الجزء الواقع من طرف صحاري بلاد البربر ، ونوميديا ، وليبيا ينتسب إلى أفريقيا. وأخيرا يقول بعضهم بأن كل البلدان الواقعة على الفرع الرئيسي للنيل هي إفريقية ، وأن كل البلدان التي لا تقع عند هذا الفرع غير إفريقية. تلك هي حال مدينة منوف (٣١) ، ومدينة الفيوم ، وسمنود ، ودمنهور ، والبرلس (٣٢) وتينس ودمياط. ذاك هو أيضا رأيي ، وذلك لعدة أسباب مقبولة (٣٣) ولهذا لن أصف سوى المدن الواقعة على الفرع الرئيسي لنهر النيل.
مدينة بوصير
بوصير كانت مدينة قديمة ، بناها المصريون على ساحل البحر المتوسط على مسافة عشرين ميلا غربي الإسكندرية (٣٤). وكانت محاطة بأسوار قوية جدا وكان فيها بيوت غاية في جمالها. وتنتشر حولها اليوم عدة حدائق نخيل ، ولكن لا أحد يعتني بها ، لأنه
__________________
(٣٠) اسم زوارق على النيل. والمفرد جرمة.
(٣١) اي ممفيس
(٣٢) أي المدن الواقعة على الفرع الشرقي للنيل.
(٣٣) من المؤسف أن المؤلف لم يتكلم عنها بتفصيل إذ لا يمكن تمييزها مما يدفع للأفتراض بأنه رجح عدم وصف هذه البلدان لأنه لا يعرفها ، ولكن سيتكلم مثلا عن الفيوم رغم هذا التحذير المبدئي.
(٣٤) والحقيقة ٤٠ ميلا عن طريق محطة سكة حديد باهيج ، وهي في الواقع أطلال مدينة تابوز يريس ماغنا الرومانية.