عندما سقطت الإسكندرية بيد النصارى ونهبوها ، ترك أهلها مدينتهم وهربوا بسرعة نحو بحيرة يسمونها البحيرة (٣٥).
الإسكندرية : مدينة مصر الكبرى
لقد تأسست الإسكندرية ، كما هو معلوم ، من قبل الإسكندر الكبير الذي بناها (٣٦) وفق مخطط مشاهير المهندسين المهرة في موقع بديع ، فوق رأس يتقدم في البحر المتوسط على مسافة أربعين ميلا (٣٧) ، إلى الغرب من النيل. ومما لا ريب فيه أنها كانت فيما يتعلق بأهمية قصورها وجمالها ومنازلها أشرف المدن طرا. واحتفظت بشهرتها لمدة طويلة إلى أن سقطت بيد المسلمين (٣٨).
وبعد ذلك راحت تخسر أهميتها تدريجيا ، على مدى السنين ، وفقدت شرفها القديم إذ لم يعد أي تاجر من اليونان أو من أوربا يستطيع أن يمارس فيها التجارة ، حتى لقد كادت أن تصبح خاوية تماما من السكان. ولكن نسب أحد الخلفاء الدهاة (٣٩) إلى الرسول محمد (صلّى الله عليه وسلّم) قولا زورا لا يخلو من مكر ، وهو أن الرسول منح أهل الإسكندرية في إحدى نبوءاته ، العديد من الكرامات ، أي إلى الذين يعودون إليها في يوم ما لتحقيق حمايتها وحماية الذين يؤتون الزكاة. وبعد برهة من الوقت امتلأت بالسكان ، من غرباء عن البلاد ، ومن أخلاط الناس الذين قصدوها لهذه الكرامات (٤٠).
وأقام كل هؤلاء الناس مساكن لهم في أبراج جدار السور ، وأقاموا عدة مدارس
__________________
(٣٥) أو البحر الصغير ، وتدعى الآن بحيرة مريوط ، من الاسم اليوناني القديم ماريوتيس. وكان سقوط الإسكندرية هذا نتيجة غارة ملك قبرص أيام الصليبيين ، وهو بيير الأول دولوزينيان ، وذلك بتاريخ ١٠ تشرين الأول (اكتوبر) ١٣٦٥ م.
(٣٦) أي عام ٣٣١ قبل الميلاد.
(٣٧) ٦٤ كم.
(٣٨) ٢٩ أيلول (سبتمبر) ٦٤٢ م «وهذا يعود ، بلا ريب ، إلى أنها أصبحت هدفا لهجمات أساطيل البيزنطيين الذين أخرجوا منها ، ولأنها خسرت وظيفتها كعاصمة للبلاد لأنها كانت مقر الحاكم الرومي» (المترجم).
(٣٩) ولعله الحاكم بأمر الله أو سواه من «الخلفاء الفاطميين» (المترجم).
(٤٠) لا توجد أية وثيقة تاريخية معروفة تؤيد هذا الزعم.