ولكن ملوك تونس عجزوا عن إرضاء كل العرب ، لأن عدد هؤلاء كان يتجاوز إمكانات موارد المملكة ومنتجاتها ، وهكذا كانت توزع هذه المعونات بين قسم فقط من العرب ، مع تكليفهم حفظ النظام في الأرياف وعلى ألا يلحقوا أذى بإنسان. أما بقية العرب المحرومين من هذه الموارد فقد اتجه نشاطهم إلى النهب والقتل وإلى أسوأ أنواع الأذى. فكانوا ينصبون الكمائن في أغلب الأحيان وعندما يمر مسافر كانوا يبرزون له ويسلبون ماله وثيابه ثم يقتلونه ، حتى لم تعد الطرق آمنة. وكان التجار الذين يودون الذهاب من تونس الى مكان ما يقصدونه ، كانوا يصطحبون معهم للحماية حرسا من حملة الأسلحة. ولكنهم ظلوا مع ذلك يتعرضون لطوارىء خطيرة. أولها دفع رسم كبير عن المرور إلى العرب الذين كانوا يتمتعون بدعامة من الملك ؛ والآخر ، وهو الأسوأ هو تعرضهم في معظم الأوقات لوثوب العرب الآخرين عليهم. وأحيانا ما كان حرس الحماية الذي اصطحبوه معهم ليغنى عنهم شيئا ، فيخسرون حياتهم وأموالهم معا.
تقسيم العرب الذين قدموا لسكنى إفريقيا والذين دعوا بالعرب المتبربرين
ينتسب العرب الذين دخلوا إفريقيا (١٠٠) إلى ثلاث قبائل. الأولى تدعى شاشين ، والثانية بني هلال والثالثة معقل (١٠١).
وتنقسم شاشين إلى ثلاثة أفخاذ هي : أثبج وسميت وسعيد.
__________________
ـ اثر وفاة الوالي المذكور في ٢٥ شباط (فبراير) ١٢٢١ م ، زاد الوضع سؤا اكثر فأكثر لا سيما وان الخلافة الموحدية راحت تنحدر نحو انحطاط كامل. وقد ادى انكسار الناصر الشنيع في ١٦ تموز (يوليه) ١٢١٢ م في موقعة حصن عقبة او «لاس نافاس دوطولوشة» في الاندلس ، فضلا عن التمرد الزناتي الطويل بزعامة يحيى بن غانية في المغرب الأوسط وضعف خلفاء الناصر ، اقول ادى كل ذلك لأن يقتطع بنو مرين لهم مملكة في المغرب ، وأن يؤسس بنو عبد الواد مملكتهم في تلمسان. وفي حزيران (يونيه) ١٢٢٨ م نودي بأحد ابناء عبد الواحد واليا على تونس. ولم يعد يعترف الامير الحفصي ، ابو زكريا يحيى ، ابدا بسلطة خليفة مراكش منذ ١٢٢٩ م. وفي ١٢٣٦ م اعلن نفسه اميرا مستقلا. اما ابنه ابو عبد الله محمد الذي اعقبه بتاريخ ٩ تشرين الأول (اكتوبر) ١٢٤٩ م فقد اتخذ لقب خليفة موحدي في شباط (فبراير) ١٩٥٣ م وهنا يقع العصيان الحفصي.
(١٠٠) حين الزحف الهلالي.
(١٠١) لا تسمح الوثائق التي تعرفنا عليها بمثل هذا التصنيف المطلق. غير أنها تتفق مع ما كتبه المؤلف فيما يتعلق بأسمي القبيلتين الكبيرتين معقل وهلال. أما اسم شاشين الذي سنجده فيما بعد فلم يمكن تفسيره بصورة مقبولة. وربما كان من الممكن أنه خاخين أو حكيم أو حكم. وحكيم اسم عشيرة صغيرة كانت تمتد أراضيها في الماضي بين سوسة والجم في البلاد التونسية. ويمكن الأفتراض أن المؤلف لقي استقبالا ممتازا لدى هذه العشيرة المذكورة وأنه سجل بعض الروايات عن سمو شأن أجدادها ، أو أنه بكل بساطة قد جافى الحقيقة التاريخية ليقدم رمزا للعرفان بالجميل لعشيرة الحكيم.