المدينة القديمة (٨٥). وقد بنى هذا الربض قبل القاهرة بمساعي المدعو طولون ، وهو مولي أحد خلفاء بغداد ، ووالي مصر ، وكان رجلا عاقلا وحذرا وقد هجر المدينة القديمة وجاء ليسكن هذا الربض. وبنى فيه قصرا فخيما وكبيرا جدا. وكذلك جامعا فسيحا أيضا لا يقل بهاء عن القصر (٨٦). ويوجد في هذا الربض عدد ضخم من الصناع والتجار ، ولا سيما من بلاد البربر.
ربض باب اللوق
وهو أيضا ربض كبير على مسافة ميل تقريبا من سور القاهرة. ويضم حوالي ثلاثة آلاف أسرة. وهو يشتمل على صناع وباعة من كل نوع. وفيه ساحة كبيرة فيها قصر فسيح ومدرسة بديعة بناها مملوك اسمه يزبك ، كان مستشار أحد السلاطين في الماضي. وكانت هذه الساحة تدعى بسبب ذلك الأزبكية (٨٧). ويجتمع في هذه الساحة عادة كل جمعة كل سكان القاهرة بعد الصلاة والخطبة ، إذ توجد في هذه الضاحية بعض الملاهي غير الشريفة ، كالمواخير والنساء الساقطات. ويجتمع في هذه الساحة أيضا العديد من المشعوذين الذين يقومون بترقيص الجمال والحمير والكلاب. وهذا بالفعل أمر مروح عن النفس. واليكم مثلا مشهد الحمار : فبعد أن يرقص المهرج حماره قليلا يتحدث إليه فيشرح له أن السلطان يريد أن يقوم بمشروع بناء كبير وأن في نيته استخدام كل حمير القاهرة لنقل الكلس والحجارة وكل ما هو ضروري لهذا البناء. وفي الحال يرخي الحمار جسمه ويسقط على الأرض رافعا قوائمه في الهواء. وينفخ بطنه ويغمض عينيه كما لو كان ميتا. وهنا يأخذ المهرج بالنحيب أمام المشاهدين على فقدان حماره ويطلب المساعدة لشراء حمار آخر. وبعد أن يجمع التبرعات يتابع كلامه : «لا تصدقوا أن حماري قد مات فهذا النهم يعرف فقر صاحبه ، ويتظاهر بالموت كي أشتري له ما
__________________
(٨٥) أطلال حي العسكر الذي كان أيضا مقر الحكام.
(٨٦) هو أبو الحسن أحمد بن طولون ، ابن عبد تركي كان عند الخليفة المأمون ، وعين على حكومة مصر في ١٥ أيلول (سبتمبر) ٨٦٨ م. واستغل المصاعب التي كانت عليها خلافة بغداد حينئذ وأصبح مستقلا. وأقام مدينته كوتاي فوق مرتفع يدعى جبل يشكر شمال شرق حي العسكر. وقد اختفى قصره ولكن جامعه الذي شيد سنة ٨٧٦ ـ ٨٧٧ م لا زال من أشهر أبنية القاهرة.
(٨٧) تلك هي ساحة الأزبكية الشهيرة التي تحتلها الحدائق حاليا. وهي مركز القاهرة الحديث. وكان الأمير يزبك الذي تنسب إليه الأزبكية هو القائد العام لدى السلطان الأشرف سيف الدين قايتباي. وقد اختفت الأبنية المذكورة. أما الجامع ـ المدرسة الذى شيد عام ١٤٩٦ م فقد كان جديدا تماما في عصر المؤلف.