وحتى هذا اليوم تحتفظ بالغنى والنبل. وفيها حوالي مائة بيت من النصارى مع ثلاث أو أربع كنائس. ويقوم في خارج المدينة دير نصراني يعيش فيه مائة راهب لا يأكلون لحما ولا ، سمكا ، بل يتغذون بالخبز والخضر والزيتون ، ويطهون أكلات ممتازة لا يدخل فيها أي دهن. وهذه الدير غني ومن عادته ان يقدم الطعام لكل غريب عابر سبيل كما يحقق له الضيافة مدة ثلاثة أيام. ولهذا الغرض يربون الكثير من الحمام والدجاج والمواشي.
أخميم
أخميم هي أقدم مدينة في مصر. فقد أسسها أخمين ، إبن مسرائيم ، الذي كان أبوه كوش ، إبن حام (١٨٥). وقد بناها على ضفة النيل الآسيوية ، وعلى مسافة ثلاثمائة ميل إلى الشرق من القاهرة (١٨٦). ولكنها تخربت عند مجيء المسلمين إلى مصر لأسباب يسردها التاريخ ، حتى لم يبق شيء آخر من المدينة سوى الأساسات لأن الأعمدة والحجارة الأخرى نقلت إلى الضفة المقابلة لبناء المدينة الآتية وهي (١٨٧) :
المنشية
لقد شيّدت هذه المدينة ، إذن بأنقاض المدينة السابقة على يد نائب خليفة (١٨٨). وليس لها ظرف ولا جمال ، فشوارعها ضيفة ولا يمكن التجول فيها صيفا لكثرة الغبار (١٨٩).
__________________
(١٨٥) سفر التكوين ، الاصحاح العاشر ، فقرات ٦ ، ١٣ ، ١٤ ، تجعل من مسرائيم ومن كوش أخوين. ولدي حام. ولا نجد بين أبناء مسرائيم السبعة واحدا يحمل إسم اخمين. والحقيقة هي أن إسم هذه المدينة خمين بالقبطية وخمينس باليونانية ، وقد أشتق هذا الاسم من اسم الوثن الذي كانت تعبده وهو «مين» الذي يتمثل بانسان له عضو تناسلي بحالة انتصاب.
(١٨٦) في الحقيقة ٣٢٠ ميلا أو ٥١٢ كم جنوب القاهرة بالطريق النهري.
(١٨٧) لقد احتفظ المؤلف طبعا بذكرى الكتابات المتعلقة بالاضطرابات الخطيرة التي تعاقبت في هذه المدينة حيث سخط النصارى أولا والمسلمون فيما بعد من التقاليد المحلية الناجمة عن التمثيلات الفاحشة للوثن المعبود «مين».
(١٨٨) يقصد خليفة فاطميا ، واعطيت إسما مسجلا في تعداد القرى عام ١٣٧٥ م هو المنشية «أو التي تنشر رائحة» ولكن الإسم تحرف اليوم إلى المنشاة.
(١٨٩) «وهنا يغيب عن المؤلف شيئا ، وهو أن الغبار هنا لا ينتشر في الصيف فقط بل ينتشر كذلك في الشتاء لانعدام ـ