لقد تكلمت لكم مسبقا عن النهر الذي يسميه بطليموس النيجر في القسم الأول من هذا الكتاب في معرض كلامي عن تقسيمات افريقيا.
* * *
نهر النيل الكبير
إن جميع ما يتعلق بالنيل ومجراه لظواهر ذات أهمية بالغة وإعجاب شديد. ويمكن قول نفس الشيء بالنسبة للحيوانات التي توجد في هذا النهر ، كخيول البحر وعجول البحر ، والتماسيح العديدة جدا والشديدة الضراوة ، كما سبق أن قلنا في الفصل المتعلق بالنيجر وكما سنقوله في الفصل المخصص للحيوانات الغريبة في افريقيا.
ولم تكن التماسيح في عصر المصريين والرومان تحدث من الأضرار مثل ما تصنعه اليوم. ولكنها أصبحت رهيبة أكثر منذ أن احتل المسلمون مصر. ويروى المسعودي (٣٨) في كتابه عن الاكتشافات الرائعة فى الأزمنة الحديثة ، في عصر كان فيه أحمد بن طولون واليا على مصر بإسم جعفر المتوكل ، خليفة بغداد ، في عام ٢٧٠ هجرية ، وذلك عندما عثر على تمساح من رصاص ، له نفس حجم أحد هذه الحيوانات ، وكان تظهر عليه حروف مصرية (٣٩). وقد تم اكتشاف هذا التمثال في أساسات معبد وثني. وقام الحاكم بإتلافه ، وفي نفس العام ، أخذت التماسيح تعيث فسادا وتحدث أضرارا كبيرة ، ولقد ساد الاعتقاد بأن هذا التمساح قد صنع تحت بعض الاقترانات الكوكبية والسحرية لاتقاء شرور هذه الحيوانات. لكن ما يبدو أقرب للخوارق هو أن التماسيح التي تعيش في النيل بين القاهرة والبحر لا تقوم بأى أذى فى حين أن تلك التي توجد في عالية القاهرة تقتل الناس وتحدث الكثير من الأضرار المادية.
__________________
(٣٨) هو ابو الحسن علي المسعودي ، المتوفي حوالي سنة ٩٨٥ م ، ومؤلف كتاب يقع في ثلاثين مجلدا هو «أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة» وهو مؤلف ضخم لم يصلنا منه سوى بعض أجزائه. [العنوان الأصلي لكتاب المسعودي الكبير في التاريخ هو «مروج الذهب ...» (المراجع)].
(٣٩) هو ابو العباس احمد بن طولون. وقد استلم وظائفه حاكما على مصر في ١٥ ايلول (سبتمبر) ٨٦٨ م باسم الخليفة زبير المعتز الذي كان أباه الخليفة جعفر المتوكل قد اغتيل في ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٨٦١ م. وتوفي احمد بن طولون فى رمضان ٢٧٠ ه ١ آذار (مارس) ٨٨٤ م.