الذي كنت فيه أتردد على هذه الطرق. ولن تكتئب اذا قصصت عليك احدى هذه المغامرات :
فقد كنا بعض تجار من فاس (١٩٩) ذاهبين سوية وكنا في الأطلس مع هذه القافلة في شهر تشرين الأول (اكتوبر) وقبيل غروب الشمس اخذ ثلج كثيف وبارد بالتساقط. وعندئذ اجتمع عشرة فرسان ، أو اثنا عشر ، ودعوني لمغادرة القافلة والذهاب معهم للبحث عن مأوى طيب. ولم أستطع رفض عرضهم ، ولكن كنت أخشى الوقوع في فخ ، وخطر لي أن أتخلص من مبلغ كبير من الدنانير كانت معي ، ولما أصبح هؤلاء الرجال فوق جيادهم وطلبوا مني الاستعجال ، تظاهرت بأني مضطر لقضاء حاجة طبيعية وتنحّيت عنهم خلف شجرة. وهناك أخفيت دنانيري على أحسن شكل قدرت عليه وغطيتها بالتراب والحجارة وحفظت مكان الشجرة بعناية. وسرنا بعدئذ صامتين حتى قرابة منتصف الليل. وعندئذ رأى احد هؤلاء العرب ان الوقت مناسب لأن يعمل معي ما كانوا قد تآمروا عليه ، أي أن يسلبني نقودي وأن يتركني أذهب وشأني وطلب مني فيما إذا كانت دنانيري معي ، فأجبته بأنني تركت دراهمي عند القافلة ، وأودعتها عند أحد اقاربي الأقربين. ولكن هؤلاء الأعراب لم يصدقوني ولكي يتأكدوا من ذلك ولكي يعرفوا الحقيقة نزعوا عني ثيابي حتى القميص في هذا البرد القارس. ولما لم يجدوا شيئا راحوا يداعبونني متعللين بأنهم فعلوا ذلك مزاحا ، وكي يعرفوا ما إذا كنت رجلا صلبا وقادرا على تحمل البرد. وعندئذ تابعنا طريقنا في الظلام ، منزعجين من رداءة الطقس ومن الليل. وبعدئذ سمعنا ، بفضل الله ، ثغاء أغنام عديدة. فوجهنا خيولنا نحو الجهة التي تصدر منها هذه الضوضاء ، وذلك وسط الأحراش ، وبين الصخور العالية ، بحيث كنا نتعرض ايضا لخطر اضافي. واخيرا اكتشفنا رعاة في غار أدخلوا اليها نعاجهم بكل عناء ، وأوقدوا نارا طيبة تحلقوا حولها. وعندما رآنا هؤلاء وتعرفوا على العرب ، شعروا أولا بالخوف خشية التعرض لمعاملة سيئة. وبعد ان تأكدوا من استمرار العاصفة ، بدوا لنا مضيافين جدا وقدموا لنا ما لديهم للأكل من خبز ولحم وجبن. وبعد أن فرغنا من الطعام رقدنا حول النار وفرائصنا ترتعد من البرد ، ولا سيما وأني قد عريت من ثيابي قبل قليل ، ويقصر الكلام عن التعبير عن الخوف الذي انتابني. وقد أمضينا نهارين وليلتين مع هؤلاء الرعاة ولم يتوقف الثلج عن التساقط خلال تلك الفترة. وأخيرا توقف الثلج في اليوم
__________________
(١٩٩) يبرهن هذا النص على أن بعض أسفار المؤلف كانت لغرض تجاري.