المزايا والأشياء المحمودة عند الأفارقة
إن الافارقة الذين يسكنون مدن البربر ، ولا سيما مدن البحر المتوسط ، يجدون متعة كبيرة في التعلم وينصرفون للدراسة بعناية كبيرة. ومن بين هذه الدراسات نذكر العلوم الانسانية والشرعية الاسلامية التي تحتل المكانة الأولى. وقد اعتادوا في الماضي دراسة الرياضيات والفلك والفلسفة. ولكن منذ أربعمائة عام ، كما ألمحت الى ذلك سابقا ، حظر عليهم علماؤهم وملوكهم تعلم الكثير من هذه العلوم (٢٢٦). وكذلك كان الحال بالنسبة للفلسفة ، وكذلك بالنسبة للتنجيم القضائي.
هذا ويتصف سكان أفريقيا أيضا بشدة تقواهم (٢٢٧). فهم يطيعون علماءهم وأئمتهم ويهتمون بشكل كبير في معرفة الأمور الضرورية لديانتهم. فهم يذهبون بلا انقطاع لتأدية صلواتهم في مساجدهم ، ويتحملون بصبر لا يتصور القيام بفرض الوضوء قبل الصلاة ، ويعمدون أحيانا حتى الى غسل جسمهم كله ، كما اعتزمت توضيحه في الكتاب الثاني من مؤلفي عن الايمان والشريعة الاسلامية.
وفضلا عن ذلك فإن سكان مدن بلاد البربر ماهرون ، كما يظهر ذلك في نوعية الأشغال المختلفة الطبيعية والتي يتقنونها. ويتمتعون بتربية طيبة جدا وحسن مجاملة للناس. وهم أناس طيبو السريرة قليلو الاتجاه إلى الإساءة. ويظهر الصدق لديهم في القلب واللسان ، رغم أن الوضع كان على خلاف ذلك في القرون الغابرة ، كما تؤكد ذلك كتب التاريخ التي كتبها المؤلفون اللاتين (٢٢٨) ، وهم رجال أو لو بأس وشجاعة كبيرة جدا ، لا سيما أهل الجبال منهم. ويحترمون العهد قبل كل شيء ، ويفضلون ضياع حياتهم عن أن يخلفوا وعدا. وهم غيورون إلى أبعد الحدود ، ويحتقرون الحياة مقابل احتمال إهانة حول موضوع نسائهم. وهم يحبون المال حبا جما مثلما يحبون الثروة والسمعة الطيبة ، ويذهبون إلى مختلف أنحاء العالم بتجارتهم ، ويرى بعضهم في مختلف المواسم
__________________
(٢٢٦) وذلك على أثر حركة الإصلاح الموحدى المتزمتة في القرن الثاني عشر.
(٢٢٧) أي بلاد البربر.
(٢٢٨) إشارة الى كتاب FidesPunica تأليف ساللوست ، وهو مؤرخ لاتيني ولد سنة ٨٦ ق. م. وتوفي سنة ٢٤ ق. م. وقد حكم إقليم أفريقية وجمع ثروات طائلة سمحت له ببناء قصر فخم محاط بحدائق شهيرة. وترك لنا كتاب «حياة جوغورته» و «تآمر كاتالينا».