لعودته إلى الشرق ، لكن بحضور القاضي و «العدول» والمفهوم الأخير متأخّر زمنيا ، كما ذكر لنا كتاب الأغاني أنّ يزيد بن حاتم المهلّبي ، في العهد العبّاسي ، أمر خازنه أن يعطي لابن المولى ، الشاعر الذي مدحه ، كلّ ما تحوي الخزينة عندئذ أي ٠٠٠ ، ٢٠ دينار (١). وواضح أنّ هذا المبلغ مبالغ فيه كثيرا ككلّ ما ورد في الأغاني بشأن الهبات للشّعراء حتّى في البلاط العبّاسي ذاته. إنّما هذه النادرة توضّح سيادة الوالي المطلقة على بيت المال وهذا ما يهمّنا ، على أنّ المهلّبيين كانوا أشبه بالأمراء المستقلّين ومثّلوا النموذج الذي ستحتذيه الإمارة الأغلبية.
أمّا ديوان البريد فوظيفته الأصلية هي توجيه البريد الرّسمي إمّا داخل الولاية ، بين الأمير والعمّال والقوّاد ، أو بين الأمير وعاصمة الخلافة والعكس بالعكس. وهذه المهمّة أساسية في سياسة أيّة إمبراطورية شاسعة ومتمركزة ، والبريد الإسلامي مأخوذ عن السّاسانيين وله محطات ومراحل محدّدة تبلّغ الأخبار والأوامر باستمرار وسرعة ، فهو منتظم جدا.
ويقول لنا برانشفيك (٢) إنّ إفريقية استنسخته من المشرق وكان استعماله يتّسم بالجودة في هذه الفترة إلّا أنّه تلاشى فيما بعد ، مثلا في العهد الحفصي ، ربّما لتلاشي الإمبراطورية ذاتها. هذا الدّور الاتّصالي دور سياسي لأنه يربّط المركز بالأطراف ويرسّخ سيادة الدولة الإسلامية ، وله دور سياسي آخر وحكومي وليس بالإداري فقط ، إذ إنّ صاحب البريد يتقمّص فعليا وظيفة المسؤول عن المخابرات ، فهو عين الخليفة على الجهات ، مثله كمثل" مبعوثي السلطان" في المملكة الكارولنجية أيّام" شارلمان" (missi dominici). إلّا أنّ هؤلاء المبعوثين كانوا متفقّدين دوريين وكان صاحب البريد مستقرّا على الدوام في الولاية ولم يكن مراقبا فقط بل وأيضا يقيّم سياسة الوالي. فمثلا تدخّل صاحب البريد بمعيّة أهمّ القواد العسكريين لدى الخليفة لإعلامه بضعف الوالي
__________________
(١) الأغاني ، ج ٣ ، ص ٢٩٠.
(٢) Hafsides ، ج ٢ ، ص ٦٥.