اللغوي الملائم. فقد اختير الموظّفون في البداية من بين من اشتغلوا مع البيزنطيين ، غير أنّ كبار الموظّفين رحلوا عن البلاد ولم تتبقّ إلّا الأصناف السفلى : قسم منهم من الرّوم وقسم آخر من الأفارق. أمّا الأقباط فلا يبدو أنّهم اعتمدوا في الإدارة القيروانية على أنهم اشتغلوا في دار صناعة السفن بتونس (١) وبالرّغم من العلاقات الخاصة التي كانت تربط إفريقية بمصر حيث فتحت أمامهم الدواوين (٢). وعلى خلاف مصر ، سادت هنا اللّغة اللاتينية وليست اللغة اليونانية في ديوان الخراج ودار الضّرب لأسباب تاريخية معروفة.
واستعمل العرب في مرحلة ثانية مواليهم المتأسلمين والمتعرّبين ، ومفهوم المولى ليس هو مفهوم أهل الذمّة. فالموالي أقحموا في المدينة العربية ـ الإسلامية ودخلوا في القبيلة العربية المستوطنة ، فهم كالعرب مع وضعية اجتماعية دنيا. وأوّل من بدأ استعمالهم في الجيش والإدارة موسى بن نصير. ومع تقدّم عملية التّعريب الإداري الذي يبدو أنه تمّ حوالى ١٠٠ ه / ٧١٨ م ، لا شك أنّ العنصر العربي الخالص دخل الدّواوين ، لكنّ أهل الذمّة من المسيحيين ما زالوا يستعملون ، ولعلّه قلّل من عددهم. فلنا نصّ من المدوّنة ، يتجلّى من خلاله أنّ القضاة كانوا يستعملون كتبة من أهل الذمّة في العهد الأغلبي الأوّل ، وإذن فبصفة أحرى أن كانت الإدارة الجبائية تستعملهم (٣). وقد احتفظت لنا المصادر على الأقلّ باسم كاتب في ديوان الرّسائل وهذا في الثلث الأوّل من القرن الثاني للهجرة أي في العهد الأموي ، ويدلّ لقبه الإفريقي أنه من الأفارق ، فاسمه خالد بن ربيعة الإفريقي ، يذكره البلاذري في فتوحه. وبالتالي من
__________________
(١) ح. مؤنس ، فتح العرب ... ، م. س ، ص ٦٢ ـ ٢٦١.
(٢) الجهشياري ، كتاب الوزراء ، م. س ، ص ٣٤ ؛ المقريزي ، خطط ، ج ١ ، م. س ، ص ١٧٥.
(٣) المدوّنة ، ج ١٢ ، م. س ، ص ١٤٦. يقول ابن القاسم : «يجب منع استعمال أهل الذمّة في أحوال المسلمين». يعني هذا أنّ المشكل مطروح على مستوى كلّ الإدارة وليس فقط على خطّة القضاء التي اتّبعت دون شك سلوك الإدارة.