الإداري ذاته أي الأداة اللغوية. فإذا كان ديوان الرسائل وديوان الجند معرّبا أصلا ، فالمشكلة تطرح نفسها بالنسبة لديوان الخراج ـ لاتّصاله بأهل الذمّة ـ وللعملة. ولدينا معلومات عمّا طرأ من تعريب في المشرق فقد كانت ثورة لغوية حقيقية : تمّ تعريب هذا الديوان في ٧٨ ه. بالعراق و ٨١ بسوريا و ٨٧ بمصر (١) ، لكن لا نعلم شيئا فيما يخصّ إفريقية لصمت المصادر عن الأمر. مع هذا ، فصحيح أن علم النقود يمكّننا من التّعرف عن مراحل تعريب العملة وبالتالي يمكن إسقاط هذه المراحل بحذر على ديوان الخراج بإعمال القياس. وقد بيّن هذه المراحل ح. ح.
عبد الوهّاب في دراسة قيّمة ومتينة ونحن نتّبعه في استنتاجاته (٢). وهذه المراحل أربع : في الأولى ، النقود مكتوبة كلّها باللاتينية مع الاحتفاظ برموز بيزنطية من مثل صورة الإمبراطور وجزء من الصّليب لكن أيضا مع وجود التصريح بالشهادة الإسلامية دائما باللاتينية. في مرحلة ثانية ، حذفت بعض الرّموز البيزنطية ، وفي الثالثة فقط تظهر الكتابة بالعربية في الوسط مع الحفاظ على الكتابة اللاتينية على الأطراف (٩٥ ه) وأخيرا ، ابتداء من حوالى ١٠٠ ه / ٧١٨ م نجد دنانير مكتوبة تماما بالعربية وبالضبط ، لو اتّبعنا ووكر ، في سنة ١٠٢ ه (٣).
في الحقيقة ، هذه ثورة ثقافية بالغة الأهمية أتت بقرار من عبد الملك في المشرق أوّلا ، فهي تحرّر من التبعية بالنسبة لبيزنطة في مجال حيوي ، كما أنّ تعريب الديوان تحرّر من سلطة الكتّاب الأعاجم.
ولم يعد يكفي للإمبراطورية الإسلامية أن تكون قوية عسكريا بل كان عليها أن تتركّز كإمبراطورية قائمة بذاتها مكتسبة للغة وإدارة وبالتالي لحضارة. وهذا ما تبّين أيضا في ما قام به عبد الملك وابنه الوليد في
__________________
(١) البلاذري ، فتوح ، ص ١٩٦ ؛ الجهشياري ، الوزراء ، ص ٣٨ ؛ المقريزي ، الخطط ، ج ١ ، ص ١٧٥ ؛ النويري ، نهاية الأرب في فنون العرب ، القاهرة ١٩٣١ ، ج ٨ ، ص ١٩٩ ؛ عبد العزيز الدّوري ، مادة" ديوان" في دائرة المعارف الإسلامية ، ط ٢.
(٢) ورقات ، م. س ، ص ص ٤٠٠ ـ ٤٠٦.
(٣) Walker ,Catalogue ,op.cit.,p.٩٩.