بعد قرن من انتهاء إعادة الغزو البيزنطي (١) ، عرفت البلاد التونسية مجددا الغزو ، فدخلت منذ ذلك الوقت في مرحلة جديدة وحاسمة من تاريخها. على خلاف الاحتلال القندالي ، سيستغرق الفتح العربي ، بالفعل مدة أطول ، ويتجذّر بعمق ، ولكن ليس دون صراع مرير في البلاد ، سيوجّه أفريكاAfrica إلى مصير آخر. فلم يقع إدماج الولاية على المستوى السياسي دفعة واحدة فقط ـ بعد أن وقع اقتلاعها من الإمبراطورية البيزنطية ـ ولمدّة طويلة في فعل البناء الإمبراطوري العربي ، ولكن على المستوى الأكثر عمقا للحضارة أيضا ، إذ دعيت إلى تحمّل تحوّل كبير في بعض الأحيان وأليم ، لتدخل بذلك نهائيا في مدار الثقافة العربية الإسلامية.
إذن ، إذا تأكّدت تأثيرات هذه الفترة ـ ولمدّة طويلة ـ على التطور الحقيقي لتونس بوصفها الأكثر جوهرية ، فإنه من الخطأ الفادح ـ في نظرنا ـ أن نسقط من اعتبارنا الخلفية الكونية التي قام على أساسها الفتح العربي في إفريقية. هكذا تظهر تونس مجددا ، عمق تضامنها مع الاضطرابات الكبيرة التي يمكن أن تهز العالم المتحضر.
I ـ المرحلة الاستكشافية بعد التوسّع
(٢٢ ـ ٥٠ ه / ٦٤٢ ـ ٦٧٠ م)
تنضوي حركة الفتح في انطلاقة الإسلام التوسعية التي قوّضت الدولة الساسانية ، وجردت بيزنطة ، وريثة روما ، في توجّهها الإمبراطوري ، من ولاياتها الشرقية. بالرغم من هذه الخسارة
__________________
(١) ورد في :Histoire de la Tunisie : Le Moyen Age. Tunis, S. T. D.) S. d (ch. ١