والمؤسّسات الإسلامية أوجدت هناك وتأثّرت في فترة أولى بالموروث الفارسي والبيزنطي ثم تحرّرت منها بدءا من عبد الملك (٦٥ ـ ٨٦ ه). وهي التي انتقلت إلى المغرب وشهدت فيه نفس التطوّر بإيعاز من المركز أي في سبيل التحرّر وكسب الاستقلالية عن الموروث البيزنطي. وهذا الموروث يصعب تقييمه ولا نعرف أين يبتدأ وأين ينتهي بالضبط. بخصوص الدواوين والموظّفين المعتمدين فيها وتقنيات الإدارة وضرب النقود واستعمال اللاتينية ، وقع اعتماد هذا الإرث لمدّة ربع قرن ثم حصل تجاوزه وإلغاؤه. أمّا بخصوص المنشآت العسكرية والإدارية ، فقد وقع دمج أو تركيب ، فاعتبر التقسيم البيزنطي إلى حدّ ما لكنّ العرب أدخلوا تصوّرهم الخاصّ لهياكل المغرب وطغى هذا التصوّر فأوجدت تقسيمات جديدة للمعطى الجغرافي.
إنّ الحضور العربي اخترق أكثر بكثير من الحضور الرّوماني الأرض المغربية. وبالمعنى المؤسّساتي ، كان المغرب كلّه والأندلس خاضعا لسلطة والي القيروان ، فهذه المدينة الجديدة العربية المحضة باتت عاصمة مجال واسع جدا لفترة معيّنة على الأقلّ. من هنا جاءت أهمية الولاية بالنسبة إلى سلطان الخليفة على الرّغم من بعدها. وداخل هذا المجال ـ وقد رأينا ذلك ـ كانت إفريقية بجناحيها طرابلس والزّاب قلب الحكم الإسلامي والحضور العربي.
وهذا ما يفسّر الانشطار ـ ولو داخل الإسلام ـ وبروز سجلماسة والأدارسة والأمويين ، وفي نفس الوقت بقاء إفريقية وفيّة للخلافة حتى في دائرة استقلالها مع الأغالبة. لقد كانت لها إمكانات حضرية واقتصادية ولها تاريخ ، إنّما هيّأت هذه الفترة لتكوين الإمارة الأغلبية وأصبحت إفريقية قاعدة لتكوّن دول في المستقبل ، لأنها كانت أرض السلطة دون منازع.
إنّ فترتنا كانت عهد إمارة اتّضحت أكثر فأكثر مع آخر العهد العبّاسي حيث برز شكل من الاستقلالية. بل إنّ إفريقية صارت البلد الحامل لإمارات متتالية تتأرجح بين التبعية والاستقلال المقيّد.