نعلم أن المدرسة الاستشراقية الفرنسية ، قد اهتمت أساسا وإلى عهد قريب بالمجال المغربي. ونحن نعرف أعمال كلّ من جورج مارسي G.Marcais ، وروبير برانشفيك R.Brunshvig ، وروجي لوتورنوR.Le Tourneau ، وهي أعمال تواصلت مع أبحاث جيل جديد من المستعربين سواء كانوا فرنسيين أو تونسيين من ذوي الثقافة الفرنسية.
فنتج عن ذلك ، في أيامنا هذه التغطية الكاملة تقريبا للعهد الإسلامي العربي البربري من تاريخ إفريقية عن طريق الأبحاث. غير أنه إذا ما وقع درس الفتح العربي نفسه من قبل المصريين ، فإن فترة التحولات والتنظيم التي تلت الفتح بقيت معتّمة ، لذلك أردنا هنا إكمال هذا النقص مع الإحالة على تحاليل منشورة في مواضع أخرى للحصول على أوسع تفاصيل.
إنّ ما يثير الاهتمام في الفتح العربي للمغرب ، أنه كان طويلا ، مضنيا وصعبا. هنا ـ على خلاف المشرق ـ حصل انهيار الهيمنة البيزنطية من الوهلة الأولى ، غير أنّ هذا لم يؤدّ إلى الخضوع المباشر للبلاد. لقد قاومت بالفعل القوى المحليّة المنظمة بطريقة جيدة ، طويلا وبضراوة.
ومع ذلك تبنّى جميع البربر تقريبا العقيدة الجديدة ، وحدث أن قاوموا الهيمنة العربية من داخل الإطار الإيديولوجي الإسلامي. وهكذا يمكن القول إنّ تراجيديا الفتح واستقرار الإسلام بالقوّة ولّدا العالم البربري في اتّجاه مصيره التاريخي.
لقد كان الصانع الحقيقي لفتح إفريقية هو حسّان بن النعمان (٧٦ ـ ٨٤ ه). غير أنّ إتمام الفتح تطلّب سنتين كاملتين من خليفته موسى بن نصير. فخرجت إفريقية في سنة ٨٦ ه ، من عهد الفتح المضطرب والبطولي لتدخل في طور التنظيم الذي اصطلح على تسميته ب «قرن