الجسيمة ، نجحت الإمبراطورية البيزنطيّة في الحفاظ على وجودها ، لكنها بقيت مع ذلك مهددة ومطوّقة ، ممّا سيجعلها تتحمل لقرون طويلة الضغط العربي الذي أرضخها ولكنه لم يقض عليها تماما. يتوجّب في إطار هذه الثنائيّة وضع جذور الفتح العربي لتونس ، انتشاره وحتى أسلوبه.
لقد ظهر بجلاء ـ أولا ـ أنّ فتح إفريقية كان النهاية المنطقية لفتح مصر ، وأن هذه هيأت لتلك.
دخل عمرو بن العاص سنة ٦٤٢ م منتصرا إلى الإسكندرية ، ثم بعث جيوشه إلى برقة وآنطابلس ، فأخضعت بسرعة قبيلة لواتة البربرية. وتقدمت هذه الجيوش في اتجاه زويلة في الصحراء ، وحتى في اتجاه طرابلس. وفي سنة ٦٤٦ م ، كان عليه ، مع ذلك ، استرجاع الإسكندرية من بين أيدي البيزنطيين الذين أطرد جيشهم الإمبراطوري بقيادة مانويل Manuel ، بعد أن هزمه. يعني أنه وفي هذا الرّدح الزمني الذي يمتد على خمس أو ست سنوات (من ٢١ إلى ٢٦ ه) ، كان النشاط العسكري العربي مكثّفا في مصر وعلى الساحل الليبي ، وأنه لم يمكن اعتبار الاستيلاء على مصر أمرا مؤكّدا ونهائيا إلا سنة ٦٤٦ م.
لقد حدثت ـ والحالة هذه ـ أول غارة في قلب إفريقية سنة ٢٧ / ٦٤٧ ، وهو ما يعني أن نشاط العرب العسكري في هذه الولاية جاء ليستأنف مباشرة المشروع المصري ، وبالتالي فإنه لا يوجد حد لمواصلة التمشّي العربي في اتجاه الممتلكات المتوسطية الغربية لبيزنطة.
ولكن ، لم يكن عمرو ، الذي عوّضه عبد الله بن سعد بن أبي سرح على رأس مصر ، هو الذي أولى العناية لتحضير حملة إفريقية وتنظيمها. لقد مثّلت مصر القاعدة الأساسية التي انطلقت وما زالت تنطلق منها الهجومات ، فهي توفّر أغلبية الجنود والأموال والقادة الضروريين. إلى جانب كلّ هذا ، ينضاف ـ بالنسبة إلى الحملة الأولى ـ نواة على جانب من الأهمية ، من البدو المنتمين إلى المناطق القريبة من المدينة مثل قبائل جهينة ومزينة وسليم وأسلم خاصّة ، فضلا عن حضور هائل عددا