الأراضي. أمّا الفضاءات التي استولت عليها القبائل البربرية ، وكانت مخصّصة عموما لنشاط الرّعي ، فقد طبقت عليها جباية من النوع الإسلامي. وخضعت الأراضي الصالحة لزراعة الحبوب ، وغابات الزيتون ، وواحات النخيل إلى دفع الخراج. وقد بقي على هذه الأراضي أصحابها القدامى ـ روم ، أفارقة ، وبربر مستقرّون ـ دون معرفة كيفية تطوير العلاقات بين مالكي الأراضي والعاملين عليها. ويمكننا أن نتوقّع على غرار المشرق ، أن التوجّه ظل تقليديا ، وأن العرب طبّقوا في ميدان الضريبة العقارية المسؤولية الجماعية ، وأنهم حافظوا ـ بالنسبة إلى الأرياف ـ جزئيا أو كليا ، على التأطير الاجتماعي القديم.
في القطاع الصناعي ، عرفت إفريقية في عهد الولاة تطوّرا نسبيا.
لقد وقع استخراج الثروات المنجميّة واستغلالها ، بعد أن أهملها نوعا ما الرومان والبيزنطيون. هكذا كانت مناجم الحديد والفضة والرصاص في مجّانة محل استخراج ضخم منذ عهد الولاة الأمويين ، مثلما لاحظ ذلك جورج مارسي بالاعتماد على المعطيات الأثرية (١). فضلا عن ذلك ، عرفت صناعة الحديد والبلّور تطورا كبيرا مثلما تشهد على ذلك بقايا تعود إلى منتصف القرن الثامن الميلادي مثل معايير موازين من البلور (٢).
إلى جانب الإرث القديم ، كان للتأثير المشرقي الثري بالتقاليد الصناعية والحرفية الأثر الواضح على إفريقية.
ويمكن اعتبار إنشاء حسّان بن النعمان لدار صناعة السفن بتونس حوالى ٨٢ ـ ٨٣ ه ، مظهرا من الإسهام الإيجابي للمشرق من الطراز الأول. ولضمان حسن سير دار صناعة السفن ، قام حسّان بالفعل باستقدام ١٠٠٠ شخص من أقباط مصر للمشاركة في تعليم اليد العاملة المحلية في صناعة السفن (٣). لدينا هنا مؤسسة ضخمة سيكون لها الدور
__________________
(١) La Berberie Musulmane et L\'Orient au Moyen Age, op. cit., p. ٩٧.
(٢)G. Marcais et Levi ـ Provencal,» Note sur un poids de verre du VIII siecle «, Annales de L\'institut d\'Etudes Orientales d\'Alger, ٧٣٩١.
(٣) ابن الرّقيق ، تاريخ ، ص ٦٦.