دائرة إشعاعها الاجتماعي ، سلطة سياسية ، إذ كان لبعض الفهريين سلطة مهمّة ، حتى أن بعض المنتمين إليهم أسّس سلالة (١). وتركّزت في تونس وبلاد الزاب خاصة ، مجموعات من الموجة الثانية (العهد العباسي) ، سيطر عليها الإسهام التّميمي ، واستقر مع ذلك ، قسم من عرب الفترة الأموية المسرّحون في مجموعات على أراضي البروقنصلية القديمة.
إنّ التضامن ، الذي كان يربط الإثنية العربية ويفرّقها في آن واحد ، تعدّدت جوانبه إلى حد التقاطع وحتى التناقض في بعض الأحيان. لقد كان الإطار الأساسي للعرب في المجتمع هو العشيرة التي يمكن أن تنكمش وتتمطّط حسب الظروف. وخلال العشرين سنة الأخيرة من العهد الأموي ، قوي الصراع بين القبائل ، وبرز الحقد بين الكلبيّين والقيسيّين.
وكان الصراع في إفريقية ، دون شك ، أقل سعة وحدّة مما كان عليه في المشرق ، ومع ذلك فقد كان له وزن ثقيل على الحياة الاجتماعية وأكثر ثقلا على الحياة السياسية. غير أنه على العكس من ذلك ، وحالما ظهر العنصر الدخيل ، تكوّنت جبهة موحّدة من العرب المستقرّين قديما والمتأفرقين Africanises لتقذف به إلى الخارج ، أو على الأقل لتحدث له مصاعب. وهو ما يشهد على العداء العميق الذي أظهره عرب البلاد هؤلاء إزاء الجيوش السورية ـ وهم عرب أيضا ـ والذين أتوا لنجدتهم في سنة ١٢٣ ه. ويفسّر هذا العداء ، فضلا عن ذلك ، الشعور بالتعالي والازدراء لهؤلاء المشارقة (٢). ومع ذلك ، فنحن نجهل تقريبا كل شيء عن العلاقات التي يمكن أن يكون عرب الموجة الأموية قد أقاموها مع القادمين الجدد في العهد العباسي.
فالمصادر لا تشير إلى مصادمات ، غير أنه من المؤكد أن القادمين الأوائل كانوا قد أبعدوا عن الوظائف العسكرية ، وبتحوّلهم إلى الحياة المدنية العادية ، انصهروا أكثر في البلاد ، إلّا أنهم وبالرغم من ذلك
__________________
(١) هو عبد الرحمان بن حبيب.
(٢) البيان ، ص ٥٤.