لم يصلوا حدّ فقدان عروبتهم ، كما أنهم لم يتخلّوا عن تكبّرهم كمنتصرين ، إذ إن العرب القدامى والجدد ـ وأمام المجموعات المحلية الأخرى ـ كانوا يشعرون بالتضامن فيما بينهم لأنهم كانوا متميّزين ، وبما أنهم متميزون فهم مهددون دائما في سيطرتهم.
لقد كان العربي في البداية وحده الجندي فعلا ، وكان الرجل الذي يقوم عليه مستقبل الحضور العربي ، ثم شاركه في هذا الأمر ـ في وقت لاحق ـ عناصر غير عربية. وكان هذا العنصر العربي هو الذي يوفّر القادة السياسيين والإداريين ، وقادة الجيوش ، وهو الذي يمسك بين يديه سواء مباشرة أو عن طريق الوساطة الجهاز الإداري. وكان العرب من الناحية الاجتماعية ، يكوّنون أرستقراطية البلاد ، غير أنهم يتفاضلون فيما بينهم حسب بناء تراتبي يفرّق بين أعضاء السلالات الحاكمة ، والأرستقراطية القرشيّة العتيدة ، والأنصار ، وأشراف القبائل ، ثم جموع العرب غير المعروفة.
لقد توصّل العرب بالرغم من قلة عددهم وفنائهم في الحروب ، لا إلى المحافظة على خصوصيتهم دون الذوبان في الجموع المحيطة فقط ، بل تمكنوا كذلك من تثبيت أنفسهم كنواة نموذجية في مجتمع إفريقية ، إذ مثّل هؤلاء العرب مجموعة مهيمنة بلغتها ودينها والمثل والمبادئ التي ينشرونها (١). وفضلا عن ذلك لا يجب أن نضع موضع شكّ الخصوبة الطبيعية للعرب ، وإذا ما وقع اعتبار ظهور أجيال من المولدين والهجناء (أبناء العرب من نساء البلد) ، بيولوجيا لصالح شكل من أشكال الانصهار ، فإن هذا يعني تمديد العنصر العربي اجتماعيا وذهنيا.
وفي نفس المستوى الذي يحتله العرب الخلّص ، لا بد من اعتبار الموالي المشارقة والفرس ، لأنهم مشاركون في الهيمنة.
لا بد من التفريق بعناية بين الموالي القادمين من الشرق والموالي
__________________
(١) عن نشر المثل العربية ، انظر ح. ح. عبد الوهاب ، ورقات ، ج ١ ، م. س ، ص ١٣١ ـ ١٦٣.