الأصل البربري أساسا الذين وقعت رومنتهم وتمسيحهم. وكانوا في الجملة شهودا أحياء على الهيمنة الرومانية القديمة التي جسّدوا بصماتها على البلاد ، فهم الذين تمّ اقتلاعهم ومنذ زمن طويل من جذورهم القبلية ليدمجوا في الحضارة الرومانية بشكليها الحضري والريفي. فهل يعود إلى ثقل هذا الماضي كونهم عناصر نظام ، ظلوا أوفياء لمعتقداتهم المسيحية بقدر وفائهم للغة اللاتينية؟ سوف يشير الجغرافيون العرب إلى وجودهم في الجنوب ، بين منطقة طرابلس وقابس وفي الجريد ، وهو أمر لا نشكّ فيه ، لأنهم لا بدّ أن يكونوا قد استقروا فيها أيضا في ذلك الوقت ، مثلما فعلوا ذلك في تونس ، وفي السهول الشمالية ، وفي بلاد الزاب.
أمّا العنصر الثالث الذي يدخل في تكوّن القطاع الاجتماعي غير العربي فيمثله البربر بتحديد المعنى وهم الأكثر عددا. سواء كانوا مترومنين ومحتكّين بالمسيحية بشكل ما ـ وهي حالة بعض الفصائل من البرانس المستقرين ـ أو يعيشون مستقلين ، فقد حافظ العنصر البربري على تركيبته القبلية ، بل وازداد تمسّكا بها مع الإسلام.
لقد كان يقود القبيلة في أغلب الأحيان قائد ينتمي إلى عائلة شريفة وثرية ، فكانت الكاهنة تستجيب لكل شروط الملكة الحقيقية ، وكان" سمغو" على حد تعبير ابن خلدون «يملك قطعانا عديدة» (١). وكانت شعوب البربر ، وإثنياته Ethnies ، وقبائله تكوّن شبكة معقدة ومتحرّكة ، زادها زمن الفتح الإسلامي وما بعده ، عدم استقرار ، فانتقلت بعض القبائل إلى المغربين الأوسط والأقصى. وتفتّتت أخرى فاندمجت بقاياها في تجمّعات قبلية أكثر استقرارا مساهمة بذلك حتى في تغييرها.
اعتبر المحدثون تقسيم البربر إلى بتر وبرانس (٢) دليلا على اختلاف
__________________
(١) Histoire des Berberes, traduction de Slane, I, p. ١٦٢
(٢) Histoire des Berberes ,op.cit.,p.٦٢٢ ؛ الجمهرة ، ص ٤٩٥. لقد كانت أهم قبائل البتر ، نفوسة ونفزاوة ولواتة. أمّا قبائل البرانس فقد كانت هوّارة ، وكتامة ، وصنهاجة ، ومصمودة وأوربة.