نمط العيش (البتر رعاة رحّل ، والبرانس مزارعون مستقرون) ، ومهما كانت ملاءمة هذا الاعتبار ، فإنه لا بدّ من استعماله بحذر ، لأنه في كل الأحوال لا يفسّر كل شيء. إذ يعسر على مؤرخ من تونس ألّا يأخذ بعين الاعتبار النزعة الأساسية المغربية للقبائل البربرية التي لا تعرف الحدود الدولية.
يوجد في الجنوب التونسي ، نفوسة ، ونفزاوة وفرعهم ورفجّومة الذي اتضح أنه الأقوى والأكثر دينامية ، وتوجد أيضا لواتة التي يخترق مجالها كامل ليبيا ، ومطماطة ، ومطغرة ، وزناتة ، وهوّارة. وعمّت بلاد الزاب أوربة وجراوة وأيضا هوّارة ، في حين استقر الصنهاجيون والكتاميون في منطقة القبائل بعد أن أصبح لديهم خصائص يتميزون بها.
توحي لنا هذه اللوحة الموجزة عن الجغرافيا القبلية ، أن القبائل البربرية ظلت مهمّشة بالنسبة إلى مجال قلب إفريقية ذاته ، وأنها أصبحت تميل إلى الاستقرار على الأطراف الصحراوية والمرتفعات (الأوراس ومنطقة القبائل). بعيدا عن دائرة العناصر التي تعرّبت وأسلمت عن طريق روابط الولاء إذن. كان لا بد للتجمعات البربرية المنظمة أن تواصل مع الإسلام الخضوع إلى سياسة الكبت والطرد. وقد ساهمت من دون شك الثورات الخارجية ـ ولو قليلا ـ في تغيير الخارطة الإثنية ، بل ويمكن أن تكون أحدثت نوعا من الاختلاط بين الإثنيات. على كل حال ، فالأكيد أن التقلبات اللاحقة ستعود إليها. هكذا قام داود بن يزيد بن حاتم بالقضاء على ورفجومة التي «خضعت ـ على حدّ تعبير ابن خلدون ـ إلى أن انتهت بالتلاشي» (١).
لقد استنفذت المغامرة الخارجية الواسعة ، التجمّعات القبلية التي انخرطت فيها ، مخوّلة بذلك ، بفعل التعويض ، لقبائل أخرى لم تعرض نفسها كثيرا للخطر مثل كتامة وصنهاجة الشرق ، التي بدأت عناصرها تتهيأ للقيام بدور في إفريقية الغد.
__________________
(١) Histoire des Berberes ,op.cit.,I ,p.٩٢٢ : وقعت المذبحة في قسنطينةSicca ـ Veneria.