انسجامهم بصفة تدريجية خاصة في المدن ، وأساسا في القيروان عن طريق روابط الولاء الشخصية.
وكانت الجموع البربرية هي الأسرع تأثرا بالأسلمة ، بالرغم من أن التعريب لم يمسّ سوى النخب المتضلعة في العلوم الدينية. وفي هذا الميدان ، وعلى خلاف المشرق ، حرقت إفريقية المراحل.
على امتداد فترة الفتح ، وانطلاقا من عهد عقبة خاصة ، خضعت القبائل للأسلمة ، رغم أن سلوكهم المتذبذب والمرتدّ يوحي بما كان لهذا الدخول في الإسلام من طابع سياسي سطحي. هكذا أصبحت الأسلمة مع موسى أكثر صلابة ، وقد وقع إملاؤها في أغلب الأحيان بالعنف والجشع. لقد كان لهذا الوالي من الذكاء ما جعله يرسّخها عن طريق روابط الولاء القوية ، والفتح المشترك لإسبانيا.
على مستوى ديني عميق ، يتنزل المجهود الجدّي والمستمر للسياسة الوعظية التي توخاها إسماعيل بن أبي المهاجر بإيعاز من الخليفة عمر بن عبد العزيز حوالى سنة ١٠٠ ه ، إذ بعث عشرة مسلمين من أهل الورع والتقوى إلى القيروان لتعليم مبادئ الدّين (١).
واعتمد الكتّاب (٢) في تكوين أجيال جديدة من حملة كلام الله (القرآن).
لقد كانت الحوافز إذن متعددة ، منها المادية والجبائية والنفسية والسياسية ، وكانت أدوات الأسلمة متنوعة : الجيش والإدارة والاتصال بعالم المدن ، وتكوّن وسط علمي ، هذا دون اعتبار الدعاية الدينية نفسها.
فتسرّب الإسلام بين ١٠٠ و ١٢٠ ه ، بالمقدار الكافي إلى القبائل البربرية لجعلها تتقبل الدعوة الخارجية التي استقطبت الكثير من المؤيّدين ، ومثلت الإطار الديني المثالي ، لأنها ألّفت بين الرفض العميق للهيمنة العربية والتركيبة الدينية التي كانت تستجيب لحاجات البربر.
__________________
(١) البيان ، ج ١ ، ص ٤٨.
(٢) W. Marcais,» Comment L\'Afrique du Nord a ete arabisee «, Annales de L\'Institut d\'Etudes Orientales d\'Alger, ٨٣٩١.