لقد كانت هذه اللحظة الدينية مهمّة جدا في تاريخ إفريقية لأنها سمحت بظهور رؤية مغربية للإسلام ، تطوّرت لا حقا في الطرق التي تبحث بدقّة عن القداسة ، فأخذت جذورها من وجدان البربر وروحهم الصادقة ، وهذا ما يتطابق في التأليف بين الإسهام العربي والإسهام المحلي.
في مجال الثقافة الدنيوية لا يمكن أن توجد مثل هذه التوليفات إذ كانت الثقافة العربية سيدة الموقف ، وكان الرّواة وأصحاب المعاجم والنحويّون العراقيّون ماسكين بالصّدارة ، ومن هنا يمكن لنا إذن الحديث عن تأثير شرقي مباشر.
من المؤكد ، أنه في العصرين الأموي والعباسي ، لم تدّخر بعض الوجوه البارزة في الجيش جهدا في نظم الأشعار ونقل الروايات القديمة التي لعبت دورا في نشر التقاليد اللغوية والأدبية العربية والمحافظة عليها ، غير أن إفريقية لم تصبح مركز جذب إلّا مع يزيد بن حاتم خاصة الذي واكب قدوم محدّثين وعلماء عراقيين سيعملون على تعليم الثقافة وترويجها. ونحن نعرف بالفعل أن يزيد كان نصيرا للشعر ذائع الصّيت ، مكنته ولادته الشريفة وأصله العراقي من المحافظة على روابط مع البصرة.
وكان الشعراء يستعجلون الخطى للوصول إلى بلاطه لمدحه مثل ربيعة بن ثابت ، والرّقيق الأسدي ، والمسهر التميمي وابن المولى. ولم يكن العلماء المعروفون بأقلّ عددا منهم ونذكر منهم يونس النحوي من مدرسة البصرة ، وقتيبة الجعفي النحوي من مدرسة الكوفة والرّواة مثل عوانة الكلبي ، وابن الطرماح. وكان هؤلاء الرجال يبيعون مواهبهم وعلمهم ثم يعودون إلى المشرق. ولذلك لا يمكن أن نعتبرهم بأية طريقة كانت ممثّلين لثقافة إفريقية وإنما ساهموا في إعطاء بريقها الوهّاج في الفترة المهلبية وفي زرع سحر اللغة العربية على أرض إفريقية (١).
__________________
(١) عبد الوهاب ، ورقات ، م. س ، ج ١ ، ص ١٣١ ـ ١٦٤.