ومشكلة الخلافة وغير ذلك ـ كما لو أنّ السياسة كانت هناك بدون دينامية ذاتية. ذلك أنّ المشرق كان مركز دار الإسلام ، نعني الحجاز والشام والعراق وإيران ، وكان المغرب هامشيا ، وهذا شأن مصر بدرجة أقلّ ـ لأنه بعيد جدا ولأنه لم يستقطب عددا كبيرا من المهاجرين العرب مثلما جرى عليه الأمر في أمصار العراق وفي الشام وحتّى في خراسان. لكن في ٩٦ ه تمّت دعوة موسى للشرق ومنذ ذلك الحين سيناله التعذيب هو وسائر أسرته. فقد اتّهم موسى من طرف الخليفة الأموي سليمان بالاستحواذ على مبلغ ٠٠٠ ، ٣٠٠ دينار وأجبر على إرجاع هذا المبلغ كما وقعت ملاحقة مواليه والمقرّبين إليه. وقام الوالي الجديد محمد بن يزيد بإعدام ابنه عبد الله الذي خلفه على القيروان ، ثم عمد الولاة المتتابعون على إفريقية طيلة عشر سنوات إلى تصفية التأثير النّصيري بإفريقية ولكنّهم لم ينجحوا إلّا بقدر محدود.
ويبدو أنّ الصراع بين العصبيات القيسية والكلبيّة قد اخترقت إفريقية. فقد وجدت الأغلبية اليمنية صعوبات عديدة مع الولاة القيسيين ، لكنّهم نجحوا في إنهاء مهام عبيد الله بن عبد الرحمان السلمي (١١٠ ـ ١١٤ ه) لمبالغته في تمييز القيسيين صراحة. لذلك صارت سياسة الخلافة تجاه المغرب مرتكزة على إحلال التوازن بين المجموعتين وهو ما يتجلّى في تعيين الولاة بالتداول من كلا الطرفين. ولعلّ أهمّ جانب يتمثّل في شعور عرب إفريقية بذاتهم ، بخصوصيتهم ، بتضامنهم ، وهو ما انعكس في بروز شخصيات مؤثرة أو مجموعات ضغط من بينهم بالذات. ومن الملفت للانتباه أن سقوط العائلة النّصيرية قد عوّضه الصعود المذعر للفهريين الذين سيظهرون بمظهر قادة العرب الأفارقة. لكن في النهاية ، لم يكن كلّ هذا سوى خدوش تافهة في واجهة موحّدة. فقد حصل ارتياح بالسلم العربية مع إقامة اقتصاد مزدهر وتشييد بطيء لحضارة جديدة وكذلك تفشّي الأسلمة والتعايش بين الغالب والمغلوب. مع ذلك ، فقد تراكمت أحقاد وضغائن سترتجّ لها سلطة القيروان ومن وراء ذلك سلطة الخليفة في الأعماق.