البلاد المفتوحة الخاضعة لحكم العرب المسلمين من مثل عراق النبط وشام السريان ومصر القبط وإيران الفرس ـ باستثناء خراسان. وبقي البربر على إسلامهم ولم يكن لهم في الحقيقة خيار آخر ، إذ المسيحية لم تنتشر إلّا في مدن إفريقية وفي سهولها الزراعية المستقرّة. وهؤلاء بربر قبائل وعدد منهم من الرّحّل ولهم تقاليد حربية وقبلية يشبهون فيها العرب ذاتهم ، فهم أقرب الشعوب المفتوحة شبها بالعرب. وواضح أن الإسلام حرّر طاقات البربر ومنحهم تأطيرا وتنظيما واتجاها ، فعبّر الفكر الخارجي أحسن تعبير عن روحهم التمرّدية المطبوعة بشعور قوي بالضّيم.
لكنّ وضعية المغرب لا تتوقّف عند علاقة السلطة العربية ـ ولا نقول العرب جملة ككتلة مستقرّة نهائيا ـ بالقبائل البربرية الرافعة للواء المذهب الخارجي. فهناك تعقّدات كبيرة وصراعات آتية ستنال العرب ذاتهم. وهؤلاء إذ استوطنوا إفريقية صاروا ينزعون إلى شكل ما من الاستقلالية عن سلطة الخليفة فأفرزوا زعماء لهم. لقد حصل عندهم شعور بالذات وبالخصوصية وتغذّى بالبعد الفعلي عن مركز الخلافة. فلم يكن نتيجة صراعات تاريخية وإيديولوجية مثلما ما جرى بين أهل الشام وأهل العراق زمن الفتنة وبعدها في العهد الأموي ، وإنّما نتيجة التأهّل والخصوصية الجغرافية.
وقد وجدت هذه الحركات الانفصالية قادة لدى الفهريين ـ عشيرة عقبة ـ وأهمّهم عبد الرحمان بن حبيب. فبعد هزيمة" السّبع" وموت أبيه حبيب بن أبي عبيدة ، انتقل عبد الرحمان هذا إلى الأندلس مع أتباعه الأوفياء. وعند عودته إلى تونس في ١٢٧ ه ـ وهو تأريخ بدء الاضطرابات في صلب السلطة الأموية ـ تمكّن من جمع عرب إفريقية حول شخصه بسهولة إذ اعتبروه أفضل ممثّل لهم. وتفاقمت الحركة بسرعة إلى درجة أنّ الوالي حنظلة عجز عن المقاومة. وفي نفس السنة (١٢٧ ه) رحل عن القيروان تاركا البلاد للقائد الفهري الذي قام هكذا بحركة انفصالية. وهي حركة كانت تمثّل في زمن آخر مسعى شديد