المغرب الأقصى وهو أخشى ما يخشاه العباسيون. وبذلك تكوّنت إمارة إفريقية الأغلبية (١٨٤ ه / ٨٠٠ م) فدامت قرنا ، وهي إمارة تفويض سلالية تتمتّع باستقلال حقيقي داخلي وخارجي مع الاعتراف بالسلطة العليا للخليفة. وكان البلد إذاك شاسعا يضمّ الزّاب وتونس الحالية وجهة طرابلس ، وكان أرض مدن وزراعة منتظمة ويحوي سكانا مستقرّين لهم انغراس في التاريخ وتجربة بالحضارة.
الخاتمة
إنّ مرحلة الفتح وتنظيمها في المغرب (منتصف القرن الأوّل ـ أواخر القرن الثاني ه / ٦٥٠ ـ ٨٠٠ م) فترة أساسية في التاريخ المغربي من طرابلس إلى الأطلسي ، فهي من الحقبات التي تحسب في حياة الشعوب. وإليها يدين المغرب بهويته الجديدة لمدّة ١٤ قرنا وما هو عليه الآن في كينونته كأرض عربية ومسلمة. وليست المسألة فقط مسألة لغة أو دين على ما لهذين العاملين من الأهمية ، بل أيضا مسألة انخراط في حضارة شاسعة كبيرة وإسهام فيها ، أقصد الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية. كلّ هذا يعني الكثير : نمط حياة ، دينامية تاريخية ، نظم سياسية واجتماعية ، ثقافات شعبية ونخبوية. ولكن أيضا الاهتزازات وفترات الفوضى والانهيارات على مدّ أكثر من ألف سنة.
لقد وضعت لحظة الفتح والتنظيم أسس هذا التطوّر بعنت كبير في إبقاء الوجود الإسلامي ، فهي لحظة انتقال حسّاسة في مصير المغرب. وبهذا المعنى ليس من المفيد كثيرا الحديث عن آثار التواصل مع الماضي : الحضارة البونيقية ، والثقافة الرّومانية ، والدّيانة المسيحية. هذا التواصل كان يسري في الأعماق لمدّة ، لكنّ الإسلام كدين وتاريخ دحره ودفنه نهائيا. لقد كانت إفريقية وما يتبعها جزءا من الإمبراطورية الخليفية وأكثر من ذلك جزءا من دار الإسلام وهو رباط لا يفكّ. وقد تغلغل الحضور العربي / الإسلامي لكن أيضا البربري / الإسلامي في أعماق