المغرب ، في دواخله الصّحراوية ، وهذا لم تقم به الهيمنات القديمة وأهمّها الحضور الروماني الذي بقي أسير السّواحل.
ويجب أن نؤكّد أنّ العرب دخلوا البلد بعملية فتح أي بغزو عسكري ضد الرّوم ثم ضد الأهالي البربر ، وقد كان الغزو قاسيا كما كانت السيطرة العربية في أولى خطاها ولمدّة طالت بسبب مطامع الخلفاء ، قاسية ومدمّرة للبشر. ولم يكن من الممكن أن يحصل انصهار عرقي ولا حتى ديني ، فكان الاحتجاج قائما على الدّوام من طرف البربر سواء بسبب المظالم أو بسبب العقيدة الخارجية أو بسبب اتجاهاتهم القبلية الحربية أو لكلّ هذه الأسباب مجتمعة.
الحقيقة أنّ مغرب الأعماق الذي زلزله واخترقه الغزاة العرب من لدن عقبة ، قام بردّة فعل عنيفة ومتعنّتة سواء زمن الفتح أو فيما بعد زمن الولاة الأمويين فالعباسيين ، لأنه دخل في دوّامة التاريخ ـ ولم يكن ذلك إلّا قليلا في عهد الرومان ، ولأنّ الأسلمة السريعة الفريدة في هذه الفترة الإسلامية أجّجت مشاعر المساواة وإرادة الاحتجاج ضد الظلم. ولئن كانت الدولة القادمة ، دولة الفاتحين الغزاة ، مهدّدة على الدّوام طوال قرن من طرف القوى الاجتماعية ، الخوارج بالأساس ثم ثورات الجند ، فإنّها لم تنحلّ أبدا وبقيت صامدة إلى أن وجدت توازنا جديدا مع إبراهيم بن الأغلب.
وقد رأينا أنّ البربر الخوارج عاودوا مقاومة الفتح بعناد مذهل ومثير. لكن هذه المرّة تحت غطاء مذهب مأخوذ عن العرب ، عرب المتروبول الشرقية ـ العراق ـ وهو مذهب احتجاج واندماج في آن وبالتالي فالسيطرة العربية كانت منخورة بمبدأ إسلامي ، بمبدأ عاجز على فرض إجماع في المشرق كما في المغرب ، إنّما برهن على أنه قادر على تأسيس بؤر من الطهارة ـ المتخيّلة ـ في عالم مدنّس دخلت مع هذا في لعبة الدنيا.
وفي نسق آخر من التفكير ، كانت انتفاضات الجند تنبع من