تناقضات أخرى في الإسلام الفاتح ، فعرفت إفريقية انهيار التنظيم العربي للفتح الذي تجاوزته الظروف الجديدة بصفة عامّة ، ولكونه بصفة خاصة عاجزا بالضرورة عن الحفاظ على الدولة ضد الخوارج دون جيش مكثّف وفي نفس الوقت عن تلبية حاجيات هذا الجيش. ولقد ظهر مليّا في عهد الرّشيد ومن بعده من الخلفاء أنّ الإمبراطورية كانت شديدة الامتداد ولا زالت مع هذا مركزية كما في العهد الأموي خصوصا بعد بروز وعي بالذات في عالم المغلوبين من خراسان إلى الأطلسي. فكانت دار الإسلام مشدودة بين قوى الانقسام وإرادة التوحيد المستمرّة وهي جدلية ستشقّ تاريخ الإسلام إلى حدود الغزو المغولي.
إنّ كلّ فترة تاريخية لها إيجابياتها وسلبياتها سواء من منظور المؤرّخ أو من منظور من عايشوها. لكنّ هذه الفترة بالذات كما تبيّن حملت معها انقلابا جذريا بالنسبة للمغرب أكبر بكثير ممّا حصل بدخول الرّومان بعد قتلهم لقرطاج قبل ٨٠٠ عام. فالفتوحات الإسلامية أتت معها بدين مؤكّد يخترق الضمير الإنساني وكذلك بنموذج الأمّة والدولة. وهكذا انفتحت الآفاق لكي يؤسّس أبناء هذه الأرض دولهم الكبرى في المستقبل حوالى منعطف الألفية الأولى المسيحية حسب النموذج الإسلامي. ولم يكن الرّومان أقلّ مقدرة من المسلمين ، إنّما عامل الزّمان يزن بوزن ثقيل على تاريخ البشر.