لتوحيد الصّفّ مع مروان بن محمد إذ انحلّت قاعدتها الشامية في الأعماق ، كما أنّ الحركة الخراسانية أبدت جدّيتها وشدتها ضدّ القوى الشامية وحتّى الجيوش العراقية الضّخمة. فالفتنة ابتدأت من سنة ١٢٧ ه واستعرت من ١٢٩ ه. وكانت قاعدة الشرعية العباسية ـ المبنية على الغموض ـ رهيفة في سنة ١٣٢ ه. فتفجّرت المطامع والانشقاقات المكبوتة عند تولية أبي جعفر بعد أربع سنوات أي في ١٣٦ ه ، لكنّها وجدت أمامها رجلا حازما ، قويا ، شديدا ، لا يني ولا يرحم ، من طراز مؤسّسي الدول وهو الباني الحقيقي للدولة العبّاسية.
وبالطبع فإنّ مثل هذه الأزمة في قلب الإسلام كان لها أقوى صدى في الجهات النائية مثل بلاد المغرب والأندلس. هي نائية جغرافيا ومتأخّرة في الفتح زمنيا ، مثلها في هذا كمثل ما وراء النهر (آسيا الوسطى) أو كمثل السّند مع فروق واضحة وشخصية خاصّة. فقد رأينا استقلال إفريقية الفعلي وحتّى القانوني تحت سلطة الفهريين وهم من أحفاد عقبة ومن رؤساء عرب إفريقية بدءا من ١٢٩ ه إلى حدود ١٤٤ ه ، ورأينا أيضا تكوين إمارة سجلماسة الخارجية البربرية ثم سيتلو تكوين إمارة الأندلس الأمويّة بدءا من ١٣٨ ه. إلّا أنّ الاستقرار لن يتم قبل زمن طويل وأخيرا ستبرز مملكة الأدارسة في المغرب الأقصى حوالى ١٧٠ ه (١) وإمارة تلمسان الرستمية ، وأخيرا الإمارة الأغلبية التي لم تقطع الصّلة مع الخلافة لكنّها كانت إمارة وراثية وشبه مستقلة. ماذا يعني هذا سوى أنّ بلاد المغرب والأندلس الشاسعة والبعيدة انفلتت كلّها من قبضة الخلافة المركزية بعد قرن من إلحاقها مع موسى بن نصير (٨٤ ه) أو أقلّ من قرن بخصوص الأندلس.
ومع هذا ، لم تخرج هذه الرقعة التي تمثّل عالما في حدّ ذاته ، عن دائرة الإسلام وحتى عن دائرة العروبة الحضارية والثقافية. بل إنّ إفريقية
__________________
(١) ابن العذاري ، البيان المغرب ، ج ١ ، ص ٢١٠ : «استوطن وليلي ثمّ نزل على إسحاق بن عبد الحميد سنة ١٧٢ ، فقدّمه قبائل البربر ، وأطاعوه».