وإشبيلية. وكانت عندئذ إسبانيا تعجّ بالمدن خلافا للمغرب الأوسط والأقصى وأكثر ممّا كانت عليه الحال بإفريقية ، وهذه المدن محصّنة وهو ما يفسّر أنّ الغزو كان يتماثل مع احتلال المدن وأنّ الاتساعية الإسلامية داخل الجزيرة دامت طويلا حتى بعد استتباب الحكم الأموي.
كما أنّ هذه الوضعية تفسّر كثرة الانتفاضات العسكرية زمن الولاة كما زمن الأمويين الأوائل ، فهي لا تني تقريبا أبدا. ومن الممكن أنّ هذا النزوع نحو الاستقلالية من طرف القوّاد وعمّال المدن كان استمرارا لنزعة كبراء" الفيزيغوط" لتكوين حكم محلّي أو إمارات صغيرة كما في كلّ أوروبا التي كانت تميل في القرنين الثامن والتاسع م. إلى تفتيت السلطة في مقاطعات جهوية. لكنّ الحكم الإسلامي لم يكن ليقبل بهذا الأمر بسبب إيديولوجيا الطّاعة والجماعة ولأنّه حكم مركزي وعسكري وبيروقراطي أكثر فأكثر ، لأنّ اقتصاده مبني على النّقد وليس على المقايضة كما لدى" الميروفنجيين والكارلوجيين" في الشمال. هنّا المجتمع منفتح ، فلاحي وتجاري وصناعي وهو يحتاج إلى حكم مركزي قويّ وهذا ما سيؤول إليه الأمر في العهد الأموي الأندلسي من بعد وفي العهد الأموي الخليفي آنذاك.
فإلى حدود أزمة الثلاثينات بعد المائة ، كانت الشرعية الخليفية مؤكّدة جدا ، فهي المرجع والملاذ وإلّا أكل المقاتلة العرب بعضهم بعضا. فلمّا قفل موسى راجعا إلى القيروان ، خلّف ابنه عبد العزيز واليا على الأندلس بإشبيلية ، كما خلّف ابنه مروان على طنجة ، وعند ما ذهب في ٩٥ ه إلى المشرق بأمر من الوليد جعل ابنه عبد الله مكانه بإفريقية ، أي أنّه اتّخذ سياسة أسروية في المجال الذي افتتحه وروّضه يعني إفريقية والمغرب والأندلس. لكنّه كان بعيدا عن أن يفكّر في خلع الطّاعة وتكوين إمارة لنفسه وبنيه ، فهذا لم يكن أبدا ممكنا بل كان موسى ضحية التعسّف الخليفي إذ نكبه سليمان أشدّ ما نكبة. وعند ما أراد ابنه عبد العزيز في الأندلس خلع الطّاعة انتقاما لأبيه أو طموحا منه ، كان من الهيّن على