سليمان أن يأمر القوّاد العرب بقتله وهذا ما تمّ (١).
وهنا يتبيّن أنّ الخليفة لم يكن يحكم الأقطار النّائية بعمّاله فحسب بل وأيضا بالنّخبة العربية المسلمة الموجودة على عين المكان التي قد يتّجه إليها من فوق الولاة وضدّهم أحيانا. ذلك أنّ البيعة كانت في أعناق المسلمين وأنّ الخلافة كانت تجسيدا للجماعة وليس فقط رمزا فهو يأمر من بعيد فيطاع أمره. وإذا كانت هنا إرادة بطش الخليفة في محلّها إذ حصل خلع ، فإنّ السياسة الأموية إزاء الولاة منذئذ فسدت وتسربلت بالعنف والتّعذيب لمطامع مالية فحسب ، على حساب الثقة المتبادلة كما كانت عليه أيّام معاوية وزياد وعبد الملك والحجّاج ، وسيقوى هذا الاتجاه في عهد هشام كما تدلّ على ذلك سياسته إزاء خالد القسري في المشرق. لكن حوالى سنة ١٠٠ ه ما زالت السلطة المعنوية للخليفة قويّة بل قوية جدا.
وبعد مقتل عبد العزيز بن موسى «مكث أهل الأندلس شهورا لا يجمعهم وال حتى اجتمعوا على أيّوب بن حبيب اللّخمي ابن أخت موسى بن نصير» كما يقول ابن العذاري. وهكذا بالرّغم من غضب الخليفة على موسى وموته مغضوبا عليه أو مقتولا وبالرّغم من مقتل ابنه عبد العزيز ، اجتمع رأي الناس بالأندلس على شخص من قرابة موسى ، ويعني هذا الأمر ما كان يتمتّع به موسى من هالة عندهم أدبيا كفاتح المغرب والأندلس المظفّر ، وماديا لما جلب لهم من غنائم ومتعة ، ولتواجد عدد هائل من صنائعه ومواليه في الغرب الإسلامي كلّه. وفي انتخاب النّخبة لوال من بينهم وعليهم ، تجدر الإشارة أيضا إلى الدّور الذي لعبه حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة الفهري رأس العرب المستوطنين
__________________
(١) البيان المغرب ، ج ٢ ، ص ٢٤ ؛ الأخبار المجموعة تعتبر أنّ سليمان كان ضدّ قتل عبد العزيز ، ص ٢٢. وقد اتّبع هذا الرّأي حسين مؤنس في فجر الأندلس ، القاهرة ، ١٩٥٩ ، ص ص ١٣٠ ـ ١٣١. قد يكون سليمان لم يأمر بقتله فهذا صعب الاحتمال لكنّه ممكن ، أمّا أنّه نفر من قتل عبد العزيز فهذا غير مقبول.