إنّ مفهوم المصادر المكتوبة شاسع إلى حدّ يصبح مبهما. فإذا ما قصد بالمكتوب كلّ ما يوصل الصوت والحسّ ، تصبح الشهادة المكتوبة تضم الرسوم المحفورة على الصخور والأقراص والقطع النقدية ... وباختصار كل ما من شأنه أن يحفظ اللغة والفكرة بقطع النظر عن الحامل (١). وهذا الاتساع قد يحدو بنا إلى أن نقحم في ميداننا العملة وعلم النقائش وسائر العلوم «المساعدة» التي أصبحت في الحقيقة مستقلّة عن دائرة النص المكتوب ، لذلك سنحصر بحثنا على ما هو مخطوط أو مطبوع في علامات متفق عليها مهما كان حاملها سواء بردي ، رقّ ، عظم أو ورق. ويمثل هذا في حد ذاته حقلا شاسعا للبحث والتأمل ، وذلك لأنّه يمثل أولا حيّزا زمنيا يبتدئ باختراع الكتابة وينتهي على عتبة الأزمنة الحديثة (القرن الخامس عشر الميلادي) ، ثم لأنه يتفق مع قارّة بأكملها أين تجمّعت وتلاحقت حضارات شتى. وأخيرا لأن هذه المصادر وقع التعبير عنها بلغات مختلفة وقد تطوّرت في تقاليد متنوعة فكان لها أنماط متعدّدة.
سنعالج ما تطرحه هذه المصادر من مشاكل عامّة (التحقيب ، والتقسيم إلى مناطق والتصنيف) قبل أن نقيّمها تقييما نقديا.
المشاكل العامّة
إلى حدّ الآن لم توجد دراسة شاملة للمصادر المكتوبة لتاريخ إفريقية ، وبسبب التخصّص حسب الأزمنة أو المناطق ، بقيت الدّراسات القليلة المنجزة مرتبطة بميادين متقطعة من البحث العلمي ، فكانت مصر الفرعونيّة مثلا ميدانا لدارس الحضارة المصريّة القديمة ، ومصر البطيلمية
__________________
(١) A.Dain ,١٦٩١ ,p.٩٤٤.