والرّومانية ميدان الباحث الكلاسيكي ، ومصر الإسلامية ميدان الباحث في الإسلاميات. فهذه ثلاث فترات وثلاثة اختصاصات تدور في مدارات أكثر اتساعا (العالم الكلاسيكي والإسلام). وحدث نفس الأمر في بلاد المغرب ، إذ اعتبر المهتم بالعالم البونيقي مستشرقا وكلاسيكيا في نفس الوقت ، في حين اعتبر المهتم بالبربر هامشيّا وغير قابل للتصنيف.
وتتداخل اللغات والاختصاصات المختلفة في ميدان إفريقية السّوداء المتنوّع هو أيضا ، إذ توجد مصادر كلاسيكية ، ومصادر عربية ، وأخرى إفريقية تحديدا ، غير أنّه إذا ما وجدنا نفس الثلاثية في شمال الصحراء فإنّ هذه ليس لها نفس الأهمية ولا مدلول مماثل. توجد منطقة شاسعة أين لم توجد مصادر مكتوبة قبل القرن الخامس عشر ميلادي. بالنسبة لما تبقى من المناطق ، يمكن أن يكتسب مصدر عربي يتعلّق ببلاد المغرب ، بدرجة ثانية أهمية أساسيّة فيما يتعلق بحوض النيجر. إن المؤرّخ المختص في إفريقية السّوداء ، عند ما ينكبّ على وثيقة مكتوبة بالعربية ، لا يتعامل معها بنفس الطريقة التي يتعامل معها المؤرخ المختص في بلاد المغرب ، ولا نفس طريقة تعامل مؤرخ الإسلام بصفة عامّة.
يترجم هذا التقاطع والتداخل التركيبة الموضوعية لتاريخ إفريقية ، وكذلك توجّه علم التاريخ الحديث منذ القرن التاسع عشر. إنه حدث بالفعل أن أدمجت مصر في العالم الهلّنستي ، ثمّ في الإمبراطورية الرومانية ، وبعدها البيزنطيّة ثم لمّا دخلت في الإسلام أصبحت موطنه المشع. وقد حدث بالفعل أن نظر الكلاسيكيون إلى تاريخ إفريقيةAfrica على أساس أنّه صورة من تاريخ روما ، وأن إفريقية قد ترسّخت بعمق في مصير الرّومنة ، غير أنه كذلك حقيقي أن يكون مؤرخ إفريقية الرّومانية المعاصر نفسه مؤرخا للحضارة الرومانية قبل أن يكون مؤرخا لإفريقية وأن يخرج القسم الإسلامي من حقل اهتماماته العلمية (الإبستمولوجية).
إن إدراك تاريخ إفريقية إذن باعتباره كلا ، وأن نلقي عليه في هذا