المسعى نظرة على المصادر المكتوبة ، يبقى مهمّة دقيقة وصعبة بصفة خاصة.
مشكل التحقيب
في دراسة المصادر المكتوبة ، نتساءل كيف يمكننا تبرير الانقطاع الموجود في بداية القرن الخامس عشر. أيحدث ذلك في البنية الداخلية للمجموعة الوثائقية التي بحوزتنا ـ والتي رغم الخلافات الثقافية والزمنية ـ حافظت على بعض الوحدة ، أم عن طريق حركة التاريخ ذاته والتي يجمعها مع العصور القديمة والقرون الوسطى في زمن طويل واحد يفصل بينها وبين العصر الحديث المتميّز في خصوصيته؟ في الحقيقة تتماسك الحجّتان وتتكاملان ، فالمصادر القديمة والوسيطة تختصان بالكتابة الأدبية ، وهي شهادات واعية في معظمها تسمّى حوليات ، أخبارا ، رحلات أو جغرافيا. بينما وانطلاقا من القرن الخامس عشر ، أصبحت الوثائق الأرشيفية (وثائق الأرشيف) والشهادات غير الواعية كثيرة. ومن جهة أخرى إذا كان الانتشار المسيطر في هذه الفترة يعود إلى المصادر الكلاسيكية والعربية ، فإنه وانطلاقا من القرن الخامس عشر نضبت المصادر العربية ، في حين برزت في حقل الشهادات الوثيقة الأوروبية (الإيطالية ، والبرتغالية ... إلخ) ، وفيما يتعلق بإفريقية السوداء ، ظهرت الوثيقة الأهلية.
ويعبّر هذا التغيير في طبيعة المصادر ومصدرها أيضا عن تحوّل في المصير التاريخي الحقيقي لإفريقية. إن القرن الخامس عشر هو قرن التوسّع الأوروبي (١) ، إذ برز البرتغاليون سنة ١٤٣٤ على سواحل إفريقية
__________________
(١) يقترح موني R.Mauny تاريخ ١٤٣٤ ، وهو تاريخ التوسع البحري البرتغالي في إفريقية السوداء :
» Le Probleme des Sources de L\'histoire de L\'Afrique noire jusqu\'a la colonisation europeenne «, in : XII Congres ?? ? international des Sciences historiques, Vienne, ٩٢ Aout ـ ٥ Septembre, ٥٦٩١, II, Rapports, Histoire des continents, p. ٨٧١.
انظر أيضا موني : R.Mauny ,١٦٩١ ,op.cit.,p.٨١.