تصنيف المصادر التي بحوزتنا من وراء الفترات التاريخية والفروقات الفضائية.
ولمعالجة النقطة الأولى ، يمكن أن يستهوينا رأسا إقامة تمييز أوّلي بين إفريقية شمال الصحراء ـ البيضاء ـ التي تعرّبت وأسلمت ، وتأثرت في أعماقها بالحضارات المتوسطية ما أدى إلى زوال إفريقيتها ، وإفريقية جنوب الصّحراء ـ السّوداء ـ والإفريقية إلى أقصى الحدود والتي تحظى بخصوصية إثنية تاريخية متميّزة. في الحقيقة ودون إنكار الثقل التاريخي لمثل هذه الخصوصيات ، فإن الفحص التاريخي المعمّق يكشف لنا عن خطوط فصل أكثر تعقيدا وأشدّ تباينا. لقد عاش مثلا السودان السينغالي والنيجري في اتحاد وثيق مع المغرب العربي ـ البربري ، فكان أقرب على مستوى مصادره إلى بلاد المغرب منه إلى عالم البانطوBantu ، وحدث نفس الأمر بالنسبة إلى السودان النيلي في علاقته بمصر ، والقرن الشرقي لإفريقية في علاقته بالعربية الجنوبية. هكذا إذن يستهوينا أن نقابل بين إفريقية المتوسّطية والقاحلة وتلك التي تنبت فيها السّافانا والمشتملة على بلاد المغرب ومصر وبلاد السودان وأثيوبيا والقرن الإفريقي والساحل الشرقي إلى حدود جنزيبار ، وبين إفريقية أخرى إيحائية مداريّة واستوائية تتكوّن من حوض الكونغو والساحل الغيني ومجال الزنباز ـ لنبوبو ومنطقة ما بين البحيرات ، وأخيرا بين إفريقية الجنوبية.
في الحقيقة تبرز هذه المفاضلة الثانية إلى حدّ كبير بمقياس الانفتاح على العالم الخارجي ، وكذلك بأهمية التسرّب الإسلامي. إنّ حالة المصادر المكتوبة تؤيّد الواقع الحضاري حيث تقابل بين إفريقية تتوفّر فيها هذه المصادر بغزارة ـ مع الأخذ بعين الاعتبار عامل التدرج من الشمال إلى الجنوب ـ وإفريقية تفتقد تماما إليها على الأقل بالنسبة إلى الفترة المدروسة ، غير أن الاعتبار المزدوج للانفتاح على الخارج وحالة المصادر المكتوبة يمكن أن يسقطنا في أحكام تقييمية من شأنها أن تسدل