إن عودته إلى إفريقية من هذه الجولة الخاطفة ، التي وإن كانت انتصارا بسيكولوجيا ، قد كانت أيضا نصف هزيمة عسكرية ، تطرح مشاكل للمؤرخ. ما يمكن الاحتفاظ به كشيء مؤكّد ، هو أنه لسبب مجهول ، ترك أغلبية جيوشه تتقدّمه انطلاقا من طبنة ، وأن بربر أوربة وبحكم إخبار البيزنطيين ومساندتهم لهم ، انتهزوا فرصة قلة عدد حاميته لمهاجمته في تهودا ، وهي واحة قريبة من بسكرة الواقعة على سفح جبال الأوراس (نهاية ٦٣ / أغسطس ٦٨٣). وخضع عقبة أمام كثرة الأعداء ، واستشهد مع أصحابه الذين كان من بينهم ـ على ما يبدو ـ أبو المهاجر.
لقد نسجت تفاصيل العملية ، دون شك ، بعد حين ، غير أن هذا النّسج لا يمكن أن يكون دون أساس حقيقي. فعلى طريق العودة ، لا بدّ أن يكون القائد العربي قد أهان قائد أوربة كسيلة بطرق متعددة وذلك بالرغم من نصائح أبي المهاجر الحكيمة والحصيفة.
لقد اغتاظ كسيلة وجرح في الأعماق ، وعند ما وجد نفسه على أرض قبيلته ، قام بالاتصالات الضرورية مع قومه ومع البيزنطيين ، وبما أنه أصبح غير قادر على تحمّل هذا التحالف الذي تحوّل إلى تبعيّة مذلّة ، فقد فرّ وجمع قومه ونصبوا كمينا لعقبة.
لقد كانت هزيمة تهودا ضربة قاصمة لخطوة الغازي العربي ، إذ ضربته وأوقفت اندفاعه. كما كشفت أيضا عن التواطؤ بين البيزنطيين والبربر ونجاعة هذا التعاون. وأكثر من ذلك ، كانت ضربة تهودا أوّل عمل مهمّ في مغامرة المقاومة البربرية وهذا ما سيشجّعها وينشّطها ويغذّيها. سيلعب مع ذلك استشهاد عقبة دورا رئيسيا في أسلمة إفريقية لأن صياغة أسطورة سيدي عقبة ساعد على استخراج صورة معيّنة عن الإسلام الملحمي.
عقبة بن نافع
لقد كبر الرجل قطعا مع الزمن. وأكثر من رجل تقيّ ، تصفه لنا المصادر كوليّ يحبّه الله. لقد انكشف التدخّل الإلهي بالفعل في كل