حول هذا المصدر إلى درجة نفي كلّ قيمة عن رواياته. وكلّ هذا وذاك يصبّ في بحر الفتوحات للمغرب وليس في ما هو أهمّ ، أعني تطوّر هذا المغرب والغرب الإسلامي عامّة ـ بما في ذلك الأندلس ـ في فترة تنظيمه من طرف الفاتحين وإرساء مؤسّساتهم. فلو اعتبرنا أنّ المغرب كلّه ، من طرابلس إلى المحيط ، تمّ فتحه الكامل مع موسى بن نصير حوالى ٨٦ ه ، والأندلس حوالى ١٠٠ ه ، فقد بقي قرابة القرن حتّى تبرز الدولة الأغلبية ١٨٤ ه ، وأقلّ بقليل حتّى ظهور الدولة الإدريسية في المغرب الأقصى.
فماذا جرى في هذه الآونة ، أي خلال قرن من التاريخ؟ لقد تمّت فيه أسلمة المغرب وإقحامه نهائيا في مجرى التاريخ الإسلامي. ولم يقم المؤرّخون في هذا المضمار بأيّة دراسة ، على أنّ مصادرنا تحوي معلومات مهمّة ومكثّفة إلى حدّ ما. والمدرسة الفرنسية التي اهتمّت بتاريخ المغرب الإسلامي في المنتصف الأوّل من القرن العشرين لم تنتج إلّا دراستين دقيقتين حول إفريقية الحفصية (Brunschvig) والمغرب الإدريسي (Le Tourneau) ، فيما أن البحوث كانت معمّقة ومتكاثرة بخصوص العهد الروماني. وقد قامت المدرسة التونسية والمدرسة المغربية بسدّ الثغرة بعد الإستقلال مع محمّد الطالبي وفرحات الدشرواي ، وفي السنين الأخيرة مع محمّد حسن الذي أعاد النظر في العهد الحفصي مع تعمّق في دراسة البنى الإقتصادية والاجتماعية. ويمكن أيضا ذكر مؤرّخ تونسي ـ فرنسي هو روجيه هادي إدريس الذي بحث قبل الإستقلال في إفريقية الزيرية ، وهو يحسب عادة على المدرسة الفرنسية. أما في المغرب الأقصى ، فعلينا بذكر عبد الله العروي الذي كتب كتابا نقديا تركيبيا لكلّ تاريخ المغرب ، ومحمد القبلي الذي تعمّق في دراسة المغرب الأقصى الإسلامي «الوسيط».
وهكذا لدينا الآن ومنذ أكثر من نصف القرن عدد من الدراسات