التاريخية استهدفت الرقعة المغربية كتب أغلبها بالفرنسية وترجم البعض منها إلى العربية ، كما لدينا دراسات مكثّفة عن إسبانيا الإسلامية سواء بالفرنسية أو بالإسبانية وحتّى بالعربية. وعند ما كتبت ونشرت مقالاتي عن المغرب زمن الفتح وبعد الفتح ، لم تكن كما ذكرت توجد دراسات معمّقة حول هذه الفترة. وحقيقة الأمر أنّ المصادر كانت شحيحة في هذا المضمار ، وكان يجب على المؤرّخ أن يقوم بإعمال الفكر وأن يستنبط ويستنتج وكذلك أن يقارن بما كان يجري في القرنين الأوّل والثاني في المشرق ، أي في المركز آنذاك. وقد أسعفني الحظّ إذ كنت أشتغل كثيرا على التاريخ الأموي والعبّاسي الأوّل بهدف إعداد رسالتي عن الكوفة. وكان هذا أساسيا حيث لم يكن بالإمكان أن يتناول المؤرّخ دراسة المؤسّسات الحكومية والاجتماعية من دون سابق معرفة بالتنظيمات العربية في المشرق ، شريطة أن يجد لذلك سندا في المصادر المغربية ولو بالإشارة الطفيفة. وهكذا أعتقد أنّ دراستي للمؤسّسات لا بد وان تكون نافعة للمهتمّ بتاريخ المغرب خصّيصا ، كما للمهتمّ بالمؤسسات الإسلامية في البلاد المفتوحة بصفة عامّة. والتّاريخ ـ وهو علم الثقافة كما يقول ماكس فيبر مناقضة لعلوم الطبيعة ـ يتجه اليوم بالأساس إلى البحث في المؤسّسات والبنى الإقتصادية والاجتماعية والمعتقدات الدينية والنشاطات الثقافية بالمعنى الحصري ، من دون إهمال الدينامية السياسية ومن دون الإجحاف في التحليل التجريدي. هذا ما قمت به في هذا الكتاب ، وهذا ما قمت به في كتاب الفتنة وغيره من المؤلّفات.
إنّ المستشرقين ومن بعدهم المسلمين نشروا الكثير من المصادر ، لكن لم يستغلّوها كما يجب في استقرائهم للتاريخ الإسلامي ، خصوصا في عهوده الأولى. ومن جملة الأسباب التي قدّموها أنّ المصادر التي لدينا لا يمكن الاعتماد عليها ، فهي إمّا بعيدة عن الفترات الأولى زمنيا وإمّا منحازة. لكنّ مثل هذه النّظرة تعطّل البحث العلمي الذي عليه مع ذلك أن يتسلّح بسلاح النقد الحصيف. إنّ المستشرقين قاموا بمجهودات