وذكية ، حينما ضمّن كلامه خليطا من الأمور التي ترضي آنئذ غرور الإنسان العربي والقرشي على وجه الخصوص ، بملاحظة طبيعة حياته ، وعاداته وموقعه ، ككونهم ينحرون الجزور الكوماء ، ويسقون الحجيج ، وكونهم عمّار البيت ، ثم هم يعبدون الأوثان.
فيفهم اليهود ما يرمي إليه ويناغمونه الكيد والتزوير ، ويحكمون لهم بأنهم أولى بالحق من محمد بالاستناد إلى نفس ما أراد أبو سفيان أن يستندوا إليه وألقى إليهم به.
الحارث بن عوف ينصح قومه :
ويستوقفنا هنا : ما قاله الحارث بن عوف لقومه ، وهو ينهاهم عن المسير إلى حرب محمد «صلىاللهعليهوآله» ، فإنها نصيحة مهمة تعبر عن إدراك حقيقي لما يجري ، ثم هو يقيّم الواقع بصورة متوازنة ، وعاقلة ، حيث عبر لهم عن اعتقاده أن أمر الإسلام ظاهر وغالب ، ولو ناوأه ما بين المشرق والمغرب لكانت له العاقبة.
ونعتقد : أنه قد أدرك هذا الأمر بحسن تقديره للأمور ، وهو يراقب ما يطرح هذا الدين للناس من مفاهيم وتشريعات ، وما يمارسه من تدابير وسياسات تنسجم مع أحكام العقل والفطرة السليمة ، ومع الخلق السامي والنبيل. ثم هو يرى الواقع السياسي ، وكل التحولات التي تستجد على المنطقة بصورة مطّردة ومستمرة ، ويرى أن هذا الدين لا يزال ينتشر ، ويتجذر ، ويترسخ وتتنامى هيبته وتتأكد هيمنته ، رغم كل الكيد الذي يواجهه به أعداؤه ، وكل الحقد الذي يعامله به مناوئوه.