وأخيرا : نجد نصا عن سلمان الفارسي يصرح فيه بالمبررات لحفر الخندق ، فهو يقول : «يا رسول الله ، إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة.
قال : فما نصنع؟
قال : نحفر خندقا يكون بيننا وبينهم حجابا ، فيمكنك منعهم في المطاولة. ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه. فإنّا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنادهم من عدونا نحفر الخنادق ، فيكون الحرب من مواضع معروفة.
فنزل جبرئيل «عليهالسلام» على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فقال : أشار سلمان بصواب (١).
بين الأصالة والتجديد :
وآخر ما نقوله هنا : أن حفر الخندق قد أفهم المسلمين : أنه ليس من الضروري أن يبقى الإنسان أسير الأفكار والعادات والأساليب المتداولة في المحيط الذي يعيش فيه ، فإذا كان باستطاعته أن يبتكر أساليب ، ويحدث وسائل جديدة ، تمكنه من تحقيق أهدافه على النحو الأفضل والأمثل ، فعليه أن يبادر إلى ذلك ، ويكسر حاجز الإستغراب والإستهجان والرهبة ، ويتحرر من عقدة الحفاظ على القديم ، أو على العادة والتراث لمجرد أنه قديم وتراث ، ومن موقع الجمود ، والخواء والتقوقع.
أما إذا كان هذا القديم يمثل الأصالة ، والعمق والانتماء ، ويعيد للإنسان هويته الحقيقية ، ويحول بينه وبين التخلي عن خصائصه الإنسانية
__________________
(١) تفسير القمي ج ٢ ص ١٧٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢١٨.