إذ إن الحادثة قد استنبطت : أن ما هم فيه ما هو إلا «سحابة صيف عن قريب تقشع» وأنهم سيخرجون من هذه الضائقة التي يواجهونها مرفوعي الرأس ، ليواصلوا مسيرتهم الظافرة من نصر إلى نصر ، ومن فتح إلى فتح ، حتى ينتهي بهم الأمر إلى فتح الفتوح ، حيث تفتح لهم البلاد ، وتدخل العباد في دينهم أفواجا ، ويملكون كنوز كسرى وقيصر ، حسبما أخبرهم به الرسول «صلىاللهعليهوآله» منذ فجر دعوته في مكة.
ومما يدخل في هذا السياق : ما روي من أنه «صلىاللهعليهوآله» قال يوم الخندق لأصحابه : لئن أمسيتم قليلا ، لتكثرن ، وإن أمسيتم ضعفاء لتشرقن ، حتى تصيروا نجوما يهتدى بكم ، وبواحد منكم (١).
الأمل بالنصر :
وذلك كله يوضح لنا : سر اطمئنان المؤمنين بنصر الله لما رأوا الأحزاب وقد أحاطوا بالمدينة ، وضيقوا عليها الخناق ، فلم ينهزموا أمام كل تلك الحشود ، وما وهنوا لما أصابهم ، بل واجهوا ذلك بكل صلابة عزم ، وبكل تصميم قاهر ، تحدث الله عنه سبحانه حينما قال :
(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢)» (٣).
أما المنافقون ، فاتخذوا ما أخبر به النبي «صلىاللهعليهوآله» ذريعة
__________________
(١) الخرائج والجرائح ج ١ ص ٦٦.
(٢) الآية ٢٢ من سورة الأحزاب.
(٣) فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٥.